لزومها كفعل من أمسك الشيء بنواجذه وعض عليه لئلا ينزع منه؛ لأن النواجذ محددة فإذا عضت على شيء علقت فيه فلا يكاد يتخلص، "وإياكم": عطف على جملة فعليكم بسنتي … إلخ، لمزيد التقرير والتأكيد والأصل باعدوا أنفسكم، فحذف المضاف كالفعل فانفصل الضمير، " ومحدثات الأمور ": منصوب بفعل مقدر الجملة عطف على ما قبلها تقريرًا وتوكيدًا، والمعنى: باعدوا أنفسكم عن الأمور المحدثة في الدين واحذروا العمل بها ولو من غير إحداث وهى كل ما ليس له أصل في الدين وإنما الحامل عليه مجرد الهوى والشهوة "فإن كل بدعة ضلالة": مرتب على محذوف، أي فإن ذلك بدعة، وإن كل بدعة ضلالة وانحراف عن طريق الهدى، لأن الحق فيما جاء به الشرع لا فيما لا يرجع إليه، فذلك يكون ضلالة فماذا بعد الحق إلَّا الضلال (رواه أبو داود والترمذى وقال: حديث حسن). وجاء في بعض روايات هذا الحديث "فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار "، ومنه يستفاد أن المحدث مرادف للبدعة في اللغة، وأشهر منها في التبادر، وكذلك هو مرادف لها في اصطلاح الشرع، إذ المراد به في الشرع ما أحدث في الدين من الاعتقادات أو العبادات أو المعاملات وهذا بعينه معنى البدعة، ولكنه أشهر في اللغة، فلذا صح الإخبار عن المحدث بأنه بدعة في قوله صلوات الله وسلامه عليه:" كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " على بعض الطرق، وحسن أيضًا تفريع البدعة على المحدث في قوله صلى الله عليه وآله وسلم:" وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " على ما علمت في شرح هذا الحديث.
ثم إن من عرف البدعة بأنها ما أحدث على خلاف الحق التلقى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعل دينًا قويمًا وصراطًا مستقيمًا فقصرها على الحادث المذموم المخالف للكتاب والسنة بقيد أن يكون إحداثه على أن يكون طريقة مسلوكة أو صار ذلك الحادث طريقة وسنة أبقى هذا الحديث وما ماثله في ذم البدع على عمومه لا تخصيص فيه. وعلى هذا جرى صاحب " الاعتصام " فإنه بعد ما أورد الأدلة النقلية والعقلية على ذم البدع وأهلها قال ما ملخصه: