إن ذم البدع والمحدثات في الدين عام لا يخص بدعة دون غيرها، فإن ما تقدم من الأدلة حجة في عموم الذم من وجوه:
(الأول): أنها جاءت مطلقة عامة على كثرتها لم يقترن بها تقييد ولا تخصيص
مع تكررها وهذا دليل على بقائها على مقتضى لفظها من الإطلاق والعموم حتى يثبت ما يقيدها أو يخصصها.
(الثانى): إجماع السلف من الصحابة والتابعين من يليهم على ذمها كذلك وتقبيحها والهروب عنها وعمن اتسم بشيء منها. ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا مثنوية، فهو بحسب الاستقراء إجماع ثابت، فدل على أن كل بدعة ليست بحق، بل هى من الباطل.
(الثالث): إن متعقل البدعة يقتضى ذلك بنفسه؛ لأنَّه من باب مضادة الشارع واطراح الشرع، وكل ما كان بهذه المثابة فمحال أن ينقسم إلى حسن وقبيح، إذ لا يصح في منقول ولا معقول استحسان مشاقة الشارع، وقد تقدم بسط هذا، ولما ثبت ذمها ثبت ذم صاحبها؛ لأنها ليست بمذمومة ممت حيث تصورها فقط، بل من حيث الاتصاف بها فهو المذموم على الحقيقة والذم خاصة التأثيم، فالمبتدع مذموم آثم وذلك على الإطلاق والعموم. انتهى.
ومن عرف البدعة بأنها ما أحدث بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيرًا كان أو شرًّا عبادة أو عادة قال بتخصيص تلك العمومات وقصرها على الحادث المذموم الذى لم يأذن به الشارع، وهو ما لا يرجع إلى دليل شرعى لا في الجملة ولا في التفصيل، بخلاف المحدث الذى له أصل في الشرع يرجع إليه إما بحمل النظير على النظير أو بغير ذلك فإنه حسن إذ هو سنة الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين. فمنشأ الذم فما البدع عندهم ليس مجرد لفظ محدثة أو بدعة، بل ما تقترن به من مخالفته للسنة ودعايته إلى الضلالة، ولذا انقسمت البدعة عندهم إلى الأحكام الخمسة؛ لأنها إذا عرضت على القواعد الشرعية لم تخرج عن واحد منها كما تقدم تحقيقه. قال القاضى أبو بكر بن العربى في شرحه على سنن الترمذى عند شرح حديث العرباض بن سارية ما نصه: ليس المحدث والبدعة مذمومين للفظ محدث أو بدعة ولا لمعناهما لقد قال تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}(١) وقال عمر: نعمت البدعة هذه، وإنما يذم منها ما دعا إلى ضلالة، مخالفة السنة، وأما ما كان مردودًا إلى قواعد الأصول ومبنيًّا عليها فليس