وأيضًا قد وصف البدعة بأنها لا تقبل معها عبادة ولا قربة، روى ابن ماجه من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" لا يقبل الله تعالى لصاحب بدعة صومًا ولا حجًّا ولا عمرة ولا جهادًا ولا صرفًا ولا عدلًا يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين". والصرف: النفل، وقيل: التوبة كما في "القاموس"؛ لأني انصراف عن المعصية، والعدل: العدالة ضد الجور، وقيل: الفريضة. وظاهر هذا الأثر ونحوه أن كل أعمال المبتدعة رد عليهم. أما ما داخلته البدعة وتلاعبت به الأهواء فواضح أن الله لا يقبله، فإن عملًا يبعث عليه الهوى والجهل بشريعة الله جدير بأن يكون نكالًا لصاحبه وخزيًا له في الدنيا والآخرة.
ويلحق بهذا ما إذا كانت البدعة إنكار العمل بخبر الواحد، فإن عامة التكليف مبنى عليه؛ لأن الأمر إنما يرد على المكلف من كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وما تفرع منهما راجع إليهما، فإن كان واردًا من السنة فمعظم نقل السنة من الآحاد وإن كان واردًا من الكتاب فإنما تبينه السنة، فكل ما لم يبين من القرآن فلا بد لمنكر نقل الآحاد أن يستعمل فيه رأيه، وهو الابتداع بعينه، فيكون كل فرع ينبنى على ذلك بدعة لا سنة، فلا يقبل منه شيء كما في الصحيح:" كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ".
وأولى بذلك ما إذا كان الابتداع بإنكار العمل بالأخبار النبوية مطلقًا جاءت تواترًا أو آحادًا وأنَّه إنما يرجع إلى كتاب الله، فهذا قد بنى أعماله على رأيه لا على الدين الذى وجب التدين به. وأما إذا لم يكن العمل على هذا الوصف فإن قاد صاحبه إلى صريح الكفر كبدع الإباحية والخوارج، فلا شك في عدم القبول وإلَّا فصاحب البدعة في بعض الأمور التعبدية أو غيرها قد يجره اعتقاد بدعته الخاصة إلى التأويل الذى يصير اعتقاده في الشريعة ضعيفًا وذلك يبطل عليه جميع أعماله، فإن المستحسن للبدع يلزمه في العادة أن الشرع عنده لم يكمل بعد، فلا يكون لقوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}(١) معنى يعتبر به عندهم.
وأيضًا قد وصفت بما روى عن هشام بن عروة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام" لأن توقيره مظنة لمفسدتين تعودان علي الإسلام بالهدم: