للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العامة إلى ذلك التوقير فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس وأن ما هو علمه خير مما عليه غيره فيؤدى ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنة على سنتهم.

(والثانية): أنه إذا وقره من أجل بدعته صار ذلك كالحادى المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن وهو هدم الإسلام بعينه وعلى ذلك دل الأثر. روى الطبرانى عن غضيف بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما من أمة ابتدعت بعد نبيها في دينها بدعة إلَّا أضاعت مثلها من السنة ".

وأيضًا قد وصفت بأنها مظنة إلقاء العداوة والبغضاء بين المسلمين لأنها تقتضى التفرق شيعًا، فعن قتادة في قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} (١) يعنى أهل البدع، وعن مجاهد في قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} (٢) قال: البدع والشبهات، وفى الحديث من طريق عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يا عائشة، إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا من هم؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " هم أصحاب الأهواء وأصحاب البدع وأصحاب الضلالة من هذه الأمة، يا عائشة إن لكل ذنب توبة ما خلا أصحاب الأهواء والبدع ليس لهم توبة". قال ابن عطية في تفسيره هذه الآية: نعم أهل الأهواء … إلخ ما تقدم أول الفصل.

وأيضًا دلت الآثار على أن المبتدع عليه إثم من عمل بالبدعة. في الصحيح أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: " من سىن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا " رواه مسلم. وإلى ذلك أشار الحديث الآخر: " ما من نفس تُقتل ظلمًا إلَّا كان على ابن آدم الأول كفل منها لأنَّه أول من سن القتل " متفق عليه. وهذا التعليل يشعر بمقتضى الحديث قبله إذ علل تعليق الإثم على ابن آدم لكونه أول من سن القتل، فدل على أن من سن ما لا يرضاه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو مثله إذ لم يتعلق الإثم بمن سن القتل لكونه قتلًا دون غيره، بل لكونه سن سنة سوء وجعلها طريقة مسلوكة. ومثل هذا ما جاء في معناه كقوله:

"ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضى اللَّه ورسوله كان عليه إثم من عمل بها لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئًا" رواد الترمذى وحسنه كذا في " الاعتصام ".


(١) [سورة آل عمران: الآية ١٠٥].
(٢) [سورة الأنعام: الآية ١٥٣].

<<  <   >  >>