وهو يرشد إلى أنه لا يلزم في السنة السيئة والبدعة كذلك المتوعد عليهما في كلام الشارع هذا الوعيد الشديد أن يكون أمرًا أحدث على أنه شرع ودين بحيث يكون المحدث له مضاهيًا ونظيرًا للشارع في وضع القوانين، بل الإحداث والابتداع والتسنين مناطها على أن تكون الرذيلة ارتكبت على وجه صار المحدث به قدوة لغيره وإن لم ينو أن يقتدى به الغير كما تقدم.
بهذا شهدت الآثار، وجرى عليه أفهام السلف، ألا ترى ما قاله الإمام مالك رضي الله عنه لابن مهدى لَمَّا وضع رداءه بين يدى الصف والناس يصلون فشغلهم بالنظر إليه: أما خفت الله واتقيته أن وضعت ثوبك بين يديك في الصف وشغلت المصلين بالنظر إليه وأحدثت في مسجدنا شيئًا ما كنا نعرفه، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:" من أحدث في مسجدنا حدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ". فظاهر أن ابن مهدى لم يفعل ما فعل على أنه دين وتشريع للناس ولكنه فعل بحيث يتبعه الغير في ذلك الفعل ولم يكن ناويًا ذلك الاتباع ومع ذلك سماه الإمام مالك رضي الله عنه إحداثًا مستوجبًا اللعنة من الله والملائكة والناس فتنبه لذلك.
وأيضًا وصفت البدعة في كثير من الآثار بأنها ضلالة والمبتدع بأنه ضال بخلاف سائر المعاصى فإنها لا توصف في الغالب بوصف الضلالة … إلخ ما عرفت.
وإننا نقرر لك خلاصة هذه الشبهة التى هى أمثل ما تمسك به أصحاب الطريقة الأولى القائلون: بأن كل بدعة مذمومة وليس كل مذمومة بدعة. وقد ذهب إليه الشوكانى ثم نتبع ذلك ببيان أن هذه الشبهة لا تنهض بمن تشبث بأذيالها فنقول: لا يخفى أن شيئًا من هذه الصفات التى شهدت يها الآثار السالفة لا يجامع أن يكون موصوفه محلًّا للحسن بوجه من الوجوه لمنافرة كل هذه النعوت الحسن بجميع ضروبه، فما بالك بموصوف اجتمعت فيه هذه النعوت الشنيعة، هذه مقدمة، والمقدمة الثانية قد