للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثبت من هذه الوجوه الثلاثة التى ذكرنا (١) عموم الآثار الدالة على

هذه الصفات لكل فرد من أفراد البدعة، وأن ذم البدع والمحدثات عام لا يخص محدثة دون غيرها، فثبت من مجموع هاتين المقدمتين أن كل بدعة مذمومة، وهى شطر الدعوى.

فأما الشطر الآخر وهو أن هذه الكلية لا تنعكس إلى كلية، أي ليس كل خصلة مذمومة بدعة. فدليله أنه ثيت من مجموع هذه الصفات السالفة أن للبدعة خصوصية تمتاز بها عن بقية الخصال المذمومة، وهى كون البدعة جعلت مضاهية للطريقة المشروعة، ألا ترى إلى وصفها بأنها خيانة للرسالة لمنافاتها قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (٢) وبأن توقير صاحبها إعانة على هدم الإسلام.

وعلى الجملة غالب الصفات المتقدمة إذا تأملتها على الوجه الذى قررنا وخصوصًا ما ذكرنا في وصفها بأنها ضلالة تعلم أن البدعة هى طريقة في الدين مخترعة تضاهى الشرعية … إلخ، وهو ما يدعيه أرياب الطريقة الأولى، ويؤيده ما في " القاموس" البدعة بالكسر الحدث في الدين بعد الإكمال، قال شارحه ومنه الحديث: " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ".

ولما ورد عن كثير من السلف إطلاق البدعة على أمور حسنة، كقول عمر رضي الله عنه في صلاة التروايح: " إنها بدعة ونعمت البدعة "، وقول أبى أمامة الباهلي رضى الله عنه: " إن الله كتب عليكم صيام رمضان ولم يكتب عليكم قيامه وإنما القيام شيء ابتدعتموه فدوموا عليه ولا تتركوه فإن ناسًا من بنى إسرائيل ابتدعوا بدعة ابتغاء رضاء الله فعاتبهم بتركها ثم تلا {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} (٣) الآية". فدل أمره بالدوام مع وصفه بالابتداع على كونه أمرًا حسنًا، أخرجه سعيد بن منصور في سننه.

وعن الحكم الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى؟ فقال: " بدعة ونعمت البدعة هى " أخرجه ابن أبى شيبة بإسناد صحيح، فقد استحسن ابن عمر رضي الله عنهما صلاة الضحى وهى من البدعة عنده.


(١) في صفحتى (١١٢/ ١١٣) أنها جاءت مطلقة، إجماع السلف على ذمها، أن متعقل البدعة يقتضى ذلك.
(٢) [سورة المائدة: الآية ٣].
(٣) [سورة الحديد: الآية ٢٧].

<<  <   >  >>