أجابوا عنه بأنه مجاز من عمر ونحوه، ومن غيرهم جهل بمواقع السنة والبدعة وقد عرفت أنه لا سبيل إلى المجاز. وقول ابن عمر رضي الله عنهما في الضحى:
"إنها بدعة" إما أن يكون ذلك بحسب أصلها فيكون نفيه سنيتها محمولًا على عدم رؤيته لا على عدم الوقوع في نفس الأمر أو بحسب وصفها فيكون قد أراد أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يداوم عليها أو أن إظهارها في المساجد ونحوها أو صلاتها جماعة بدعة.
ثم نقول في كَشْف القناع عن هذه الشبهة: إن قولكم كل بدعة مذمومة إن عنيتم كل ما يطلق عليه لفظ البدعة فلا نسلمه، وما ذكرتم من المقدمتين لإثبات هذه الكلية لا يستلزمه، فإن اللفظ إذا كان مشتركًا كما يدعيه الفريق الثانى لا يجب على المتكلم عند استعماله أن يريد به كل ما وضع بإزائه. فلفظ البدعة في هذه الآثار إنما أريد به أحد معنييه المشهور وهو الحادث المذموم ولا إشكال في عموم الذم وجميع أفراد هذا المعنى.
وإن أردتم من لفظ البدعة في هذه الآثار أفراد الحادث المذموم على ما رأيتم فمسلم ولا ينافى هذا أنه بمعنى آخر وهو مطلق الحادث مذمومًا كان أو ممدوحًا.
وأما قولكم: وليس كل خصلة مذمومة بدعة فنقول به، لكن لا من الوجه الذى زعمتم فليس كل خصلة مذمومة عندنا بدعة، بل المذموم أول حدوثها ولو بالأولية الإضافية بحيث يقع الاقتداء به سواء أحدث العمل عدى أنه دين وشرع أم لا، وأنتم قد اعتبرتم في مفهوم البدعة هذا القيد الأخير أيضًا والكلام معكم في إثبات اعتباره ودلالة الآثار المتقدمة عليه فنقول على الإجمال:
(أولًا): إن الآثار السابقة وإن عمت جميع أفراد البدعة وأجرت جميع هذه النعوت في كل أفرادها وتلك النعوت في زعمكم تقتضى خصوصية، وتلك الخصوصية فيما رأيتم هى مضاهاة الشرع فأين لكم أن هذه النعوت ثابتة لكل الأفراد وعلى كل الأحوال وفى جميع الأزمان والبقاع، ولم قلتم بأن عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال والأزمنة والبقاع، والتحقيق المقرر في الأصول خلافه. فبناء على هذا لم لا يجوز أن هذه النعوت أجريت على البدع جميعها في حالة مخصوصة: وهى ما إذا استحسنها