للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبتدع بحيث يعدها من المستحسنات شرعًا، وبهذا يكون قد ضاهى الشرع بالتشريع، فإذا لم تكن البدع على هذا الوجه من الاستحسان فلا تنال هذه الأوصاف مع كونها بدعة مذمومة، وربما يرشد إلى هذا قول الإمام مالك رضي الله عنه المتقدم: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة ". فقوله: "يراها

حسنة" يمكن اعتباره قيدًا في كل الآثار المطلقة عنه، ولا ينافى عمومها، لما علمت أن عموم الأشخاص شيء وعموم الأحوال شيء آخر، فهو تقييد للمطلق وليس تخصيصًا للعام.

(ثانيًا): لم قلتم إن تلك الخصوصية التى اقتضتها هذه النعوت هى مضاهاة الشرع؟ ولم لا يجوز أن يكون وقوع الذنب موقع الاقتداء؟ وقد اعترفتها بأنه حينئذ قد يسمى استنانًا فيعامل معاملة من سنه لقوله عليه الصلاة والسلام: " من سن سنة سيئة … " الحديث، وقوله: " ما من نفس تقتل ظلمًا … " الحديث. فسمى القتل سنة بالنسبة إلى كل من عمل بها عملًا يقتدى به فيه، وقلتم بعد هذا لكن لا يسمى بدعة؛ لأنَّه لم يوضع على أنه تشريع والكلام معكم في ذلك، وقد نبهناك إلى هذا فيما سبق، فبناء على ذلك نقول: يصح أن يكون المناط لهذه الصفات الذميمة كون فاعله مفتاحًا للشر فيكون في صورة المشرع. وإن لم يكن كذلك على التحقيق، قال صلى الله عليه وآله وسلم: " إن هذا الخير خزائن ولتلك الخزائن مفاتيح فطوبى لعبد جعله الله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر وويل لعبد جعله اللَّه مفتاحًا للشر مغلاقًا للخير " رواه ابن ماجه وغيره، وهذا سر ما صرحوا به بأن السيئة وإن كانت من الصغائر لكن تسنينها كبيرة.

ونقول على التفصيل: أما ما نقل عن الإمام مالك رضي الله عنه فمؤول بأنه تصوير لحال من يبتدع، فكأنه بلسان حاله يزعم نسبة الخيانة، ويظن أنه سبق إلى فضيلة، وربما عند من يراه أنه كذلك، ولا شك أن من يفعل أي ذنب على وجه بحيث يقتدى به الغير يصح أن يصور بهذه الصورة سواء فعل البدعة على أنها تشريع أم لا، فلا يدل قول الإمام مالك رضي الله عنه على أن البدعة يعتبر فيها خصوصية أن تكون للتشريع.

وأما ما ورد من أن البدعة لا يقبل معها عمل فمحمول على انتفاء الثواب

<<  <   >  >>