للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له في مقام الحقوق وزنًا، بل كانت تنتحل ما وجدت عليه آباءها وما استحسنته أسلافها من الآراء المنحرفة والمذاهب المبتدعة. فحين قام فيهم صلوات الله وسلامه عليه

بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، عارضوا معروفه بالنكر، وغيروا وجه صوابه بالإفك، ونسبوا إليه - إذ خالفهم في الشرعه: ونابذهم في النحلة - كل محال، ورموه صلى الله عليه وآله وسلم بأنواع الزور والبهتان، فتارة يرمونه بالكذب وهو الصادق المصدوق الذى لم يجربوا عليه كذبًا قط، وتارة يتهمونه بالسحر وهم يعلمون أنه لم يكن من أهله ولا ممن يدعيه، وآونة يقولون: إنه مجنون، وهم لا يشكون في كمال عقله وسلامته من مس الشيطان وخبله.

وإذا دعاهم إلى توحيد الصانع الحكيم القادر العليم قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (١) مع الإقرار بمقتضى هذه الدعوة الصادقة عند الشدة: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (٢)، وقالوا: {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (٣).

وإذا أنذرهم بطشة يوم القيامة أنكروا ما يشاهدون من الأدله على إمكانه: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} (٤).

وإذا خوفهم مقت الله وسخطه قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (٥) اعتراضًا منهم على صحة ما أخبرهم به مما هو كائن لا محالة.

وإذا جاءهم بآية خارقة افترقوا في الضلالة على فرق، واختلفوا فيها لمجرد العناد وقالوا فيها ما لا يقبله أولو التمييز بين الحق والباطل، واجتهدوا في الانتصار لباطلهم يشئ معقول فلم يجدوا أكثر من تقليد الآباء. وقد أخبر الله تعالى إبراهيم عليه السلام في محاجة قومه: {مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (٦) فحادوا كما ترى عن الجواب القاطع إلى ما ذكروا من التقليد الأعمى، فكدلك كان هؤلاء مع النبي عليه صلوات الله وسلامه عليه فأنكروا عليه ما توقعوا

معه انقضاء دولتهم وزوال ما بأيديهم؛ لأنَّه خرج عن معتادهم وأتى بِخلاف ما كانوا عليه من الكفر والضلال، حاولوا إن يستنزلوه بطريق السياسة في زعمهم ليظفروا منه بالموافقة


(١) [سورة ص: الآية ٥].
(٢) [سورة العنكبوت: الآية ٦٥].
(٣) [سورة يونس: الآية ٢٢].
(٤) [سورة ق: الآية ٣].
(٥) [سورة الأنفال: الآية ٣٢].
(٦) [سورة الشعراء: الآيات ٧٠ - ٧٤].

<<  <   >  >>