(الثالث): ألَّا يعتقد عند العمل به ثبوته لئلا يخسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مما لم يقله.
قال: والأخيران عن ابن عبد السلام عن صاحبه ابن دقيق العيد والأول نقل العلائى الاتفاق عليه. انتهى.
بقى علينا تحقيق " ما رآه المسلمون حسنًا … " إلى آخره فقد اعتاد كثير من الناس أن يستدلوا على عدم كراهة ما اعتادوه من البدع بهذا الأثر وهذا الاستدلال لا يصح والحديث عليهم لا لهم؛ لأنَّه بعض حديث موقوف على ابن مسعود، رواه أحمد والبزار والطبرانى والطيالسى وغيرهم هكذا:" إن الله تعالى نظر في قلوب العباد فاختار محمدً فبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد فاختار له أصحابًا فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه فما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، ما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح ". ولا شك أن اللام في المسلمين ليس لمطلق الجنس الصادق بالمجتهد وغيره، لاقتضائه أن كل ما رآه آحاد المسلمين حسنًا فهو حسن وكل رآه آحاد المسلمين قبيحًا فهو قبيح، وذلك باطل لأمرين:
(الأول): أنه يخالف قوله صلى الله عليه وآله سلم: ستفترق أُمتى على ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلَّا واحدة ". وجه المخالفة أن الحديث الأول يفيد أن كل مسلم مصيب؛ لأنَّه حكم بأن ما ذهب إليه حسن فلا يكون في النار، وكل من فرق الأمة مسلم يرى تدينه حسنًا فيلزم ألا يكون فرقة منها في النار، والثاني أفاد خلاف ذلك.
(الأمر الثانى): أنه يقتضى كون العمل الواحد حسنًا عند البعض قبيحًا عند الآخر فيلزم ألا يتميز الحسن من القبيح، فهى إما للعهد والمعهود ما ذكره في قوله فاختار له أصحابًا فيكون المراد بالمسلمين الصحابة فقط، أو لاستغراق خصائص الجنس فيراد بالمسلمين أهل الاجتهاد الذين هم الكاملون في صفة الإسلام صرفًا للمطلق إلى الكامل؛ لأن المطلق عند عدم القرينة ينصرف إلى الفرد الكامل وهو المجتهد، فيكون ما رآه الصحابة أو أهل الاجتهاد حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه الصحابة أو أهل الاجتهاد قبيحًا فهو عند الله قبيح.
(ويجوز) أن تكون للاستغراق الحقيقى فيكون المعنى ما رآه جميع المسلمين حسنًا أو قبيحًا فهو عند الله كذلك، وما اختلف فيه فالعبرة فيه للقرون الثلاثة المشهود