حد معين لا يزاد عليه، ولا ينقص منه، كما ورد في كثير من المعاصى كالسرقة، وقطع الطريق، والقتل، والخمر، والقذف، فهى حسبما يؤدى إليه الاجتهاد، وأعلى مراتبها القتل، وأدناها تحذير الناس منها كى لا يتبعوها، وبينهما مراتب متفاوتة كالضرب، والحبس، والتغريب، والمقاطعة، وعدم المناكحة،
وتجريحهم فلا تقبل لهم شهادة ولا رواية على تفصيل مذكور في محله، ولا يكونون ولاة، ولا قضاة، ولا ينصبون في مناصب العدالة من إمامة أو خطابة.
من ذلك ما حكى ابن وهب قال: حدثنا مالك بن أنس قال: جعل صبيغ العراقى يطوف بكتاب الله معه ويقول: من يتفقه يفقهه الله، من يتعلم يعلمه الله، فأخذه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فضربه بالجريد الرطب، ثم سجنه حتى إذا خف الذى به أخرجه فضربه، فقال: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد قتلى فأجهز على وإلَّا فقد شفيتنى شفاك الله فخلاه عمر. والمشهور في قصته أنه كان يسأل عن المتشابهات كـ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(١) فيفتح بها على الناس باب التشكيك في القرآن، وأن عمر ضربه ثم نفاه من المدينة وأمر بمقاطعته لأجل ذلك الابتداع المحرم كما سبق. ونقل العينى في "عمدة القارى" عن سحنون رحمه الله: من كان يدعو إلى بدعة قوتل حتى يؤتى عليه، أو يرجع إلى الله، وإن لم يدع يصنع به ما صنع عمر رضي الله عنه: يسجن ويكرر عليه الضرب حتى يتوب.
ومن ذلك ما يحكى عن الإمام الشافعى رضي الله عنه: أنه حكم في أصحاب الكلام - يعنى أهل البدع - أن يضربوا بالجرائد ويحملوا على الإبل ويطاف بهم في العشائر القبائل ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام.
(قال ابن تيمية): والداعى إلى إلى البدعة مستحق للعقوبة باتفاق المسلمين وعقوبته تارة تكون بالقتل كالخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلوات الله وسلامه عليه: "يقتلون أهلَ الإسلام ويَدَعُونَ أهلَ الأوثان، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، وتارة بما دونه كما قتل السلف جهم بن صفوان، والجعد بن درهم، وغيلان القدرى وغيرهم، ولو قدر أنه لا يستحق العقوبة أو لا يمكن عقوبته فلا بد من بيان بدعته والتحذير منها، فإن هذا من جملة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.