إليها، فلأجل تشاغل الناس عن أمور دينهم وتكاسلهم عنها استحسن إيقاظهم من غفلتهم ليؤدوا وظائف الصلاة وليستعدوا لها بأحسن وجوه الاستعداد، ولم يكن السلف الصالح في حاجة إلى هذا التنبيه لمزيد اهتمامهم بأمور دينهم، فكان هذا الدعاء دعاء إلى خير فيندمج في ضمن قواعد الندب وأدلة المندوب.
ولهذا رأى المتأخرون من الحنفية استحسان التثويب في الصلوات كلها، وهو
العود إلى الإعلام بعد الإعلام حسبما يتعارفه الناس إما بقولهم بين الأذان والإقامة: حي على الصلاة حى على الفلاح مرتين أو بقولهما: الصلاة الصلاة، وقال أبو يوسف رحمه الله: لا أرى بأسًا بأن يقول المؤذن للأمير في الصلوات كلها: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، حى على الصلاة حى على الفلاح الصلاة يرحمك الله، ومثله القاضى والمفتى خصوا بذلك لمزيد اشتغالهم بأمور المسلمين كيلا تفوتهم الجماعة.
وذكر الأبى في شرح مسلم عند قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" ما نصه: قلت: ما ليس من أمره هو ما لم يسنه ولم يشهد الشرع باعتباره فيتناول المنهيات والبدع التى لم يشهد الشرع باعتبارها، وأما التى شهد باعتبار أصلها فهى جائزة وهى من أمره كالمستحدثات المستحسنة كالاجتماع على قيام رمضان، وكالتصبيح اليوم، وكالتحضير، والتأهيب، فإن الشرع شهد باعتبار جنس مصلحتها فإن الأذان شرع لمصلحة الإعلام بدخول الوقت، والإقامة شرعت للإعلام بالدخول في الصلاة، والتصبيح والتحضير والتأهيب من ذلك النوع لما في الثلاثة من مصلحة الإعلام بقرب حضور الصلاة، ولما في التأهيب من الإعلام بأنه يوم الجمعة لمن ليس عنده شعور به ويشهد لذلك زيادة عثمان أذانًا بالزوراء يوم الجمعة على ما كان في زمنه - صلى الله عليه وسلم - وزمن الخليفتين قبله، وإنما زاد لمصلحة المبالغة في الإعلام حين كثر الناس. اهـ.
وهو تقرير لقاعدة جليلة أعنى اعتبار المصالح المرسلة، والتصبيح ما يفعله بعض أهل المغرب عقب الأذان الأخير للفجر يجتمع المؤذنون وينادون بصوت واحد بقولهم: أصبح ولله الحمد ويكررون ذلك مرارًا عديدة جماعة دورانهم على المنار، فالتصبيح قولهم: أصبح ولله الحمد، والتحضير قول