للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هشام نازلة لا عهد بها فيما تقدم؛ لأن الأذان إعلام بمجئ الإمام لخفاء مجيئه عن الناس لبعدهم عنه، ثم الإقامة للإعلام بالصلاة إذ لولاها لم يعرفوا دخوله في الصلاة فصار ذلك أمرًا لابد منه كأذان الزوراء.

فالجواب: أن مجئ الإمام لم يشرع فيه الأذان وإن خفى على بعض الناس لبعده، فكذلك لا يشرع فيما بعد لأن العلة كانت موجودة، ثم لم يشرع إذ لا يصح أن تكون العلة غير مؤثرة في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده، ثم تصير مؤثرة. وأيضًا فإحداث الأذان والإقامة انبنى على إحداث تقديم الخطبة على الصلاة، وما انبنى على المحدث محدث، ولأنه لا لم يشرع في النوافل أذان ولا إقامة على حال فهمنا من الشرع التفرقة بين النفل والفرض لئلا تكون النوافل كالفرائض في الدعاء إليها فكان إحداث الدعاء إلى النوافل لم يصادف محلًا، وبهذه الأوجه الثلاثة يحصل الفرق بين أذان

الزوراء وبين ما نحن فيه فلا يصح أن يقاس أحدهما على الآخر، وغير خاف عليك أن القاعدة الأصولية (أن ما تركه الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع وجود المقتضى وانتفاء المانع فتركه هو السنة وفعله هو البدعة).

ومن البدع المختلف في حسنها وذمها الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب الأذان جهرًا ما عدا الصبح والجمعة اكتفاء بما يقع قبلهما وما عدا المغرب لضيق وقتها (١)، والذى أحدث ذلك هو محتسب القاهرة صلاح الدين عبد الله البرلسى وأمر به في مصر وأعمالها ليلة الجمعة فقط، ثم صار ذلك عامًا على يد نجم الدين الطنبدى لسبب مذكور في كتب التاريخ، ففى خطط المقريزى: وأما مصر فلم يزل الأذان بها على مذهب القوم "الفاطميين" إلى أن استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية سنة سبع وستين وخمسمائة، وكان ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبى الحسن الأشعرى رحمه الله فأبطل من الأذان (حى على خير العمل) وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكة، وفيه تربيع التكبير وترجيح الشهادتين،


(١) وهذا أيضًا بدعة أخرى لتخصيص بعض الأوقات بالجهر بهما دون البعض الآخر بدون توقيف من الشارع.

<<  <   >  >>