فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر، وانتشر مذهب أبى حنيفة رضي الله عنه في مصر فصار يؤذن في بعض المدارس التى للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصلاة أيضًا على رأيهم وما عدا ذلك فعلى ما قلنا إلَّا أنه في ليلة الجمعة إذا فرع المؤذنون من التأذين سلموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو شيء أحدثه محتسب (١) القاهرة صلاح الدين عبده الله بن عبد الله البرلسى بعد سنة ستين وسبعمائة، فاستمر إلى أن كان في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ومتولى الأمر بديار مصر الأمير منطاش القائم بدولة الملك الصالح المنصور أمير حاج المعروف بحاج ابن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون فسمع بعض الفقراء الخلاطين سلام المؤذنين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة جمعة وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه فقال لهم: أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان؟ قالوا: نعم. فبات تلك الليلة وأصبح متواجدًا يزعم أنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في منامه وأنَّه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كل أذان (فمضى) إلى محتسب القاهرة
وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدى وكان شيخًا جهولًا سيئ السيرة في الحسبة والقضاء، متهافتًا على الدرهم ولو قاده إلى البلاء، لا يحتشم من أخذ البرطيل والرشوة، ولا يراعى في مؤمن إلَّا ولا ذمة. قد ضرى على الآثام وتجسد من أكل الحرام، يرى أن العلم إرخاء العذبة، ولبس الجبة، ويحسب أن رضاء الله (سبحانه) في ضرب العباد بالدرقة، وولاية الحسبة، لم تحمد الناس قط أياديه، ولا شكرت أبدًا مساعيه، بل جهالاته شائعة، وقبائح أفعاله ذائعة (وقال) له: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله كما يفعل في كل ليالى الجمع.
فأعجب الجاهل هذا القول وجهل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأمر بعد وفاته إلَّا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته وقد نهى
(١) المحتسب: هو المرشد الذى كان يوظفه الحاكم كما سبق.