للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد بنيت عليه قبة فدخلها ونظر على القبور والستور الرائعة، والسرج المتلألئة وقد صدعت حولها مجامير الطيب فلا ريب أنه يمتلئ قلبه تعظيمًا لصاحب هذا القبر ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الولى من المنزلة ويدخله من الروع والمهابة ما يغرس في قلبه من العقائد الوهمية التى هى من أعظم مكايد الشيطان للمسلمين وأشد وسائله إلى إضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلًا قليلًا، حتى يطلب من صاحب هذا القبر ما لا يقدر عليه إلا اللّه تعالى، وهذا عين الضلال.

وقد يجعل الشيطان طائفة من بنى آدم (شياطين الإنس) يقفون على ذلك القبر يخدعون من يأتى إليه من الزائرين يهولون عليهم الأمر ويصنعون أمورًا من أنفسهم وينسبونها إلى صاحب الضريح على وجه يخفى على البسطاء.

وقد يختلقون من حكايات الكرامات له ما اللّه أعلم به ويبثونها في الناس ويكررونها في مجالسهم فتشيع وتستقيض، ويتلقاها بقلب سليم من يحسن الظن بهم وبأصحاب الأضرحة، ويقبل عقله ما يروى عنهم من الأكاذيب فيرويها كما

سمعها، ويتحدث بها في مجالسه فيقع البسطاء في بلية عظيمة من الاعتقاد، ويزعم كثير من قصار النظر أن الأولياء يتصرفون بعد وفاتهم بنحو شفاء المريض وإنقاذ الغريق والنصر على الأعداء ورد الضائع وغير ذلك ممَّا يكَون في عالم الكون والفساد، على معنى أن اللّه تعالى فوض إليهم ذلك لما لهم عنده من الجاه الأعلى والمقام الرفيع الأسمى فلهم ما يشاءون ومن قصدهم لا يخيب.

وتراهم لهذا يرفعون لهم شكواهم في عرائض مكتوبة يضعونها في الأضرحة وربما كان صاحب هذا الضريح في حال حياته لا يستطيع الأخذ بناصر المظلوم ولكن الناس بعد الممات يجعلون له التصرف في الملك والملكوت. وقد قال عيسى عليه السلام: { … وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (١).

(نحن لا ننكر) أن اللّه تعالى قد يكرم من شاء من أوليائه بعد الموت كما يكرمه قبله بما شاء فيبرئ سبحانه المريض وينقذ الغريق وينصر


(١) [سورة المائدة: الآية ١٠٧].

<<  <   >  >>