فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون" متفق عليه. أغْبق بفتح فسكون فكسر: أي ما كنت أقدم عليهما في شرب نصيبهما من اللبن أقارب ولا رقيقًا، والغبوق كصبور ما يشرب بالعشى، وأُرح بضم الهمزة وكسر الراء: أرجع، من أراح رباعيًّا، ويتضاوغون: يضجون من الجوع. فهذا الحديث صريح في أن توسل العبد بعمل نفسه إلى مولاه ينفعه عند الشدة.
(وصفوة القول) أن لفظ التوسل يراد به معان ثلاثة:
(الأول): التقرب إلى اللّه تعالى بطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذا واجب لا يكمل الإيمان إلا به.
(الثانى): التوسل إليه سبحانه بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودعائه وذلك كان في حياته ويكون في عرصات القيامة.
(الثالث): التوسل به - صلى الله عليه وسلم - بمعنى الإقسام على اللّه بذاته، فهذا لم يقع من الصحابة -رضى اللّه عنهم- في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد موته لا عند القبر الشريف ولا غير القبر ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة المأثورة عنهم، وما يروى في ذلك فضعيف لا يصلح حجة في باب العقائد، وأن الوسيلة في الآية هى ما يتوصل به إلى رضاء اللّه تعالى والقرب منه ونيل الثواب في الآخرة من فعل الطاعات وترك المعاصى واللّه الموفق.
ومن هذا تعلم أن المقصود في كل ذلك هو اللّه -عَزَّ وَجَلَّ- وغيره شفيع فقط إذا أذن اللّه له، وقد يغفل عن هذا العوام فتراهم إذا نزل بهم أمر خطير وخطب جسيم في بر أو بحر تركوا دعاء اللّه تعالى ودعوا غيره فينادون بعض الأولياء كسيدى أحمد البدوى وسيدى إبراهيم الدسوقى والسيدة زينب -رضى اللّه عنهم- معتقدين أنهم يتصرفون في الأمور ولا تسمع منهم أحدًا يخص مولاه بتضرع ودعاء، وقد لا يخطر له على بال أنه لو دعا اللّه وحده ينجو من تلك الشدائد.
ولا ريب أن السبب الأعظم الذى نشأ عنه هذا الاعتقاد وهذه الغفلة هو ما زينه الشيطان للناس من رفع القبور، وبناء القباب، وصنع المقاصير وعمل التوابيت، ووضع الستور عليها وتزيينها بأبلغ زينة وتحسينها على أكمل وجه، فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور