لابد للعروس أن تصحب جهازًا فيه من الحلى ما غلا ثمنه وخف حمله، ومن الثياب ما علت قيمته، ولان ملمسه، وتعددت أشكاله، وتنوعت أصنافه وأزياؤه، يشرع والد العروس في إعداد ذلك الجهاز حتى إذا نفد ما في يده مدها إلى المرابين واستدان بالربا الفاحش خوفًا من انتقاد النساء، فيستمر في الاستدانة ويستمر النساء في الطلب فما ينتهى من الجهاز إلا وقد أحاط الدين بماله إن كان ثريًّا، وتذهب العروس إلى بيت زوجها تفرح به ويفرح بها، وتأنس به ويأنس بها، وتترك والدها يقاسى هموم الدين ويذوق آلامه، ومعظم الجهاز قد فنى وتبدد وما بقى منه فقلما يستعمل.
ومن مضار ذلك الجهاز والتغالى فيه أن والد الفتاة يلزم الخاطب بالمهر الفادح ليستعين به والد الخطيبة على هذا الجهاز الثقيل، وكثيرًا ما يلجأ الخاطب أو أهله إلى الاستدانة من المرابين نعوذ بالله من سخطه، فيبتدئ هذا الخاطب حياته بالهم الدائم والشقاء الستمر، يقول لقمان لابنه:"يا بنى إياك والدين فإنه هم بالليل وذل بالنهار". لم هذا التفانى والتغالى في المهر ورسول الله صلوات الله وسلامه عليه يقول:"خير الصداق أيسره"؟ رواه أبو داود، أي أسهله على الخاطب، والخيرية بركة المرأة ففى الحديث:"أبركهن أيسرهن مؤنة"، وروى أحمد وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها:"إن من يُمْن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها" فيستحب تخفيف المهر والرضا بما يطيقه الخاطب ويكره الغلو فيه، هذا إلى ما في التغالى في المهور من إحجام الشبان عن الزواج وفى ذلك ما فيه من الشر والفساد.
ويا ليت هذا الإنفاق كان في شيء نافع للعروسين، بل إن الجهاز في هذا الزمان أصبح من الأمور الصورية التى تتمتع بها الأنظار ولا ينتفع بها كثيرًا في مرافق الحياة، وقد أدرك ذلك يعض العقلاء فخففوا المهور، واقتصروا على النافع من الجهاز، بل على الضرورى منه، فعسى أن يكونوا قدوة حسنة لغيرهم فتحسن الحال وتحفظ الثروة من الضياع.
ومن منكرات الأفراح ما يكون في جماعة النساء اللائى يُدْعَيْنَ للعرس من الإسراف والتبذير: ثياب جديدة متنوعة الأزياء وحلى بديعة متغايرة