إيقاد النار في المساجد لم يكن من عمل السلف الصالح ولا كانت مما تزين بها المساجد، ثم أحدث التزين بها حتى صارت من جملة ما يعظم به رمضان، واعتقد هذا العامة بسبب ترك الخواص الإنكار عليهم.
وأما الدعاء الذى تجتمع له الناس في المساجد هذه الليلة، فلما يثبت عن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ولا عن أصحابه ولا عن السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين أنهم اجتمعوا في المساجد من أجله في تلك الليلة، ونسبة هذا الدعاء إلى بعض الصحابة قد شك فيها الإمام أبو حيان وغيره من المحققين كالأستاذ الإمام شيخنا الشيخ محمد عبده رحمة الله عليه. وأصل هذه البدعة ما نقل عن اليافعى أنه قال: إن أولى ما يدعى به في ليلة النصف من شعبان: اللهم يا ذا المن ولا يمن عليه … إلخ. وعن بعض الصالحين أن أولى ما يدعى به فيها: إلهى بالتجلى الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المعظم … إلخ، فجمع الناس بينهما وروجته المطابع.
وربما شرطوا لقبول هذا الدعاء قراءة سورة يس وصلاة ركعتين قبله، يفعلون القراءة والصلاة والدعاء ثلاث مرات يصلون المرة الأولى بنية طول العمر، والمرة الثانية بنية دفع البلايا، والثالثة بنية الاستغناء عن الناس، واعتقدوا أن هذا العمل من الشعائر الدينية، ومزايا هذه الليلة وخصائصها حتى اهتموا به أكثر من اهتمامهم بالواجبات والسنن، فتراهم يسارعون إلى المساجد قبيل الغروب من هذه الليلة، وفيهم تاركوا الصلاة معتقدين أنه يجبر كل تقصير سابق عليه وأنَّه يطيل العمر ويتشاءمون من فوته. لهذا ينبغى تركه وعدم الاهتمام به كما مر في بدع المواسم التى نسبوها إلى الشرع وليست منه.
نعم الدعاء إلى الله تعالى مطلوب في كل وقت ومكان لكن لا على هذا الوجه المخترع، فنتقرب إليه تعالى بما شرع ولا نتقرب إليه بالبدع، وما أحسن الدعاء وقت السحر، وقد نامت العيون وغابت النجوم وبقى الحى القيوم، يدعو المرء ربه فيه بحاجته، ويناجى مولاه بمطلوبه حاضر القلب خاشعًا ذليلًا، لا مقلدًا فيه
ولا حاكيًا لدعاء غيره، فإن ذلك يذهب برقة القلب وحضوره، ومحال أن يستجيب الرب لمن يدعوه وقلبه عند غيره.
واعلم أنه ليس من الحكمة التشنيع على الناس من أجل اجتماعهم في