للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الليلة للدعاء مع حرصهم عليه واهتمامهم به، ولما في ذلك من إثارة الفتنة، بل الحكمة أن يسير المرشد في تغيير مثل هذه البدعة الإضافية برفق ولين، وينتهز فرصة هذا الاجتماع فيبين للناس فيها شيئًا من محاسن الدين الحنيف، ويدعوهم إلى مكارم الأخلاق كالصدق والوفاء والإخلاص والأمانة، ويشرح لهم ما في ذلك من سعادة الفرد والمجتمع، ويحذرهم ممَّا هم فيه من الرذائل والمعاصى كالكذب ونكث العهود وخلف الوعد والنفاق والخيانة والغش في المعاملة، مبينًا ما فيها من الشقاء والمضار.

ثم يذكر لهم فما هوادة ولين وجوه الابتداع فيما يعملون والخطأ فيما يعتقدون، مبينًا ما في هذا الدعاء من المخالفة لصريح القرآن الكريم، فإن الليلة المباركة المذكورة في قوله تعالى: {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} (١) هى ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روى عن عكرمة فقد أبعد النجعة (٢) فإن نص القرآن أنها في رمضان، وقال صاحب "القوت": وقد قيل هذه الليلة (ليلة النصف) هى التى قال الله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} وأنَّه ينسخ فيها أمر السنة وتدبير الأحكام إلى مثلها من قابل والله أعلم، والصحيح من ذلك عندى أنه في ليلة القدر ويذلك سميت لأن التنزيل يشهد بذلك إذ في أول الآية {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} ثم وصفها فقال: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} والقرآن إنما أنزل في ليلة القدر فكانت هذه الآية بهذا الوصف في هذه الليلة مواطئة لقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (٣). انتهى.

وقال أبو بكر بن العربى: جمهور العلماء على أنها ليلة القدر، ومنهم من قال: إنها ليلة النصف من شعبان وهو باطل؛ لأن الله تعالى قال في كتابه الصادق

القاطع: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (٤) فنص على أن ميقات نزوله رمضان، ثم عبر عن وقتية الليل هنا فقال: {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}. انتهى: أي أن ابتداء نزوله على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في رمضان في تلك الليلة المباركة التى سماها الله ليلة القدر.


(١) [سورة الدخان: الآيات ٢ - ٤].
(٢) النجعة بوزن الرقعة: طلب الكلام في موضعه، والمراد هنا أنه بعد عن الصواب.
(٣) [سورة القدر: الآية ١].
(٤) [سورة البقرة: الآية ١٨٥].

<<  <   >  >>