نفسه، ويتبع إشارته في مجاهدتها، شأن التلميذ مع أستاذه، فيعرفه عيوب نفسه وطريق علاجها. (قال) وهذا قد عز في هذا الزمان وجوده، كما عز مريد بهذه الصفة، ولو وجد أحدهما ربما لا يوجد الآخر.
وفى "الفتوحات" من صفات الشيخ الموصل إلى الله تعالى أن يكون أشعر قلبه الهيبة والسكينة، وعدم العلاقة الصارفة عن شهود الحق، وإذا ذكر الله تعالى واستولى عليه الذكر يغيب عن الأكوان فيه كل ناظر، وهو مع الحق تعالى في جميع حركاته وسكناته كثير الحياء، في قلبه التعظيم، يقدم حق الله تعالى على حظوظ نفسه، بطنه جائع (صائم)، يبكى بعينه ويضحك بقلبه، هو كالأرض يطؤه البر والفاجر، وكالسحاب يظل كل شئ، وكالمطر يسقى ما يحب، وما لا يحب لا يقضى وطره من شيء، وذلك ليدوم افتقاره إلى الله تعالى ذوقًا، شأنه الفقر والذل بين يدى الله تعالى، يفتح له في فراشه كما يفتح له في صلاته وإن اختلفت الواردات بحسب المواطن. ونقل الإمام الشعرانى عن شيخه الخواص رضى الله عنهما شرط الشيخ الصادق الذى يصح الأخذ عنه والنتاج على يديه أن يكون عنده علم يكشف به الحقائق والدقائق، فارقًا بين الحق والحقيقة، والوهم والخيال، يعلم ما جاز وما وجب وما استحال، عارفًا بالفرق بين إلقاء الملك والشيطان، والهمة واللمة، والنفث في الروع والإلهام وخطرات المريد ونزغاته، عالمًا بأمراض القلوب
والنفوس، وتطهير النجاسات النفسانية، وما يدخل من الظلمات على العوالم الروحانية، وهذا الشيخ قد عز وجوده في هذا الزمان، ثم قال: فقلت له: وما صفات المريد الصادق على وجه الاقتصاد؟ فقال: هى أربعة: الأولى صدقه في محبة الشيخ، والثانية امتثال أمره، والثالثة ترك الاعتراض عليه ولو بالباطن في ليل أو نهار أو غيبة أو حضور: أي لا يعيبه في مباح لا أنه إذا فعل منكرًا يسكت عنه لقول -صلى الله عليه وسلم-: "من رأى وركم منكرًا فليغيره بيده … " الحديث، بخلاف ما يتوهمه بعض العامة من السكوت مطلقًا، الرابعة سلب الاختيار معه.
فكل مريد جمع هذه الصفات الأربع فقد صحت قابليته ونفذ فيه الحال ونجع فيه الدواء.
هذه كانت صفات أهل الطريق والمريدين من حين ظهور طرائق الصوفية