ارفقوا على أنفسكم وأمسكوا عن الجهر، وإذا كان هذا حال رفع الصوت بالذكر وحده فما بالك به مع العبث بالأيدى، وسنة المصافحة إنما تكون للمتلاقين لا للحاضرين، والواجب تسمية ما ذكر خلفية لا سلفية، إذ السلف براء منها، فاعتمد هذا ولا تغتر بمن لم يبلغ أدنى مراتب القوم، ولم يشم للوصول رائحة فيتقول عليهم بما هم منه بريئون.
وإليك ما كتبه الأستاذ الإمام قدس الله سره في التصوف وأهله، قال رحمة الله عليه ما ملخصه:
قد اشتبه على بعض الباحثين في تاريخ الإسلام وما حدث فيه من البدع والعادات التى شوهت جماله السبب في سقوط المسلمين في الجهل فظنوا أن التصوف من أقوى الأسباب لوقوع المسلمين في الجهل بدينهم وبعدهم عن التوحيد الخالص الذى هو أس النجاة ومدار صحة الأعمال، وليس الأمر كما ظنوا، فنذكر
لك الغرض منه عنى وجه الإجمال، وما آل إليه أمره بعد ذلك.
ظهر التصوف في القرون الأولى للإسلام فكان له شأن عظيم، وكان المقصود منه في أول الأمر تقويم الأخلاق وتهذيب النفوس، وترويضها بأعمال الدين وجذبها إليه وجعله وجدانًا لها وتعريفها بحكمه وأسراره بالتدريج، وكان الفقهاء الذين وقفوا عند طواهر الأحكام المتعلقة بأعمال الجوارح والمعاملات ينكرون عليهم معرفة أسرار الدين ويرمونهم بالزيغ والإلحاد، وكانت السلطة للفقهاء لحاجة الأمراء والسلاطين إليهما، فاضطر الصوفية إلى إخفاء أمرهم ووضع الرموز والاصطلاحات الخاصة بهم، وعدم قبول أحد معهم إلا بشروط واختبار طويل فقالوا: لابد فيمن يحب أن يكون منا أن يكون أولًا طالبًا فمريدًا فسالكًا، وبعد السلوك إما أن يصل وإما أن ينقطع، فكانوا يختبرون أخلاق الطالب وأطواره زمنًا طويلًا ليعلموا أنه صحيح الإرادة صادق العزيمة لا يقصد مجرد الوقوف على أسرارهم، وبعد الثقة يأخذونه بالتدريج شيئًا فشيئًا.
ثم إنهم جعلوا للشيخ سلطة خاصة على مريديه حتى قالوا: يجب أن يكون المريد مع الشيخ كالميت بين يدى الغاسل؛ لأن الشيخ يعرف أمراضه النفسية وعلاجها، فإذا أبيح له مناقشته ومطالبته بالدليل تتعسر