للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما يكون منهم فيها من نصب السرادقات وتقديم الخدمات، فقد جذبوا إليها الفقراء واستخفوا بها عقول الأغنياء، فصاروا يبذلون فيها الأموال العظيمة زاعمين أنهم يتقربون بها إلى الله تعالى، ولو طلب منهم بعض هذا المال لمساعدة الجمعيات التى قامت للدعوة إلى الله وهداية الناس أو معونة المرشدين الذين تصدوا لنشر العلم والفضيلة؛ ومحاربة البدع والرذيلة، أوإعانة منكوب أو إسعاف مصاب لضنوا به وبخلوا، ولا يرون أن ما يقع فيها من المنكرات مناف للتقرب إلى الله تعالى، كأن كرامة الشيخ الذى يحتفلون بمولده تبيح تلك المحظورات، وتجيز للناس التعاون على المنكرات.

فالموالد اليوم أسواق الفسوق والفجور فيها خيام للبغاء، وحانات الخمور ومراقص يجتمع فيها الشبان لمشاهدة الراقصات المتبرجات المتهتكات الكاسيات العاريات، فيها أماكن أخرى لضروب من سئ الأعمال وساقط الأقوال يقصد بها إضحاك الحاضرين، فيها إسراف وتبذير للأموال وإضاعة للأوقات فيما لا فائدة منه ولا خير فيه.

فانظر إلى أين وصل المسلمون ببركة التصوف واعتقاد أهله بغير فهم ولا مراعاة شر، فلا عجب إذا عم فيهم الجهل واستحوذ عليهم الضعف وحرموا ما وعد الله المؤمنين من النصر؛ لأنهم انسلخوا من مجموع ما وصف الله به المؤمنين في نحو قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣)} (١) الآيات، وقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (٢) إلى آخر السورة. ا. هـ.

(وصفوة القول) أنه لا طريق لمعرفة الله تعالى المعبر عنها بالوصول إليه غير ما نزله من البينات والهدى، ما بينه سول الله صلوات الله وسلامه عليه من وسائل العبادة بقوله وفعله. إنما كان غرض الصوفية الصادقين فهم الكتاب والسنة مع التحقق بمعارفهما، والتخلق بآدابهما، وأخذ النفوس بالعمل بهما من غير تقليد لأهل الظاهر، ولا جمود على الظواهر.

وقد اختلف في لفظ الصوفى إلى أي شيء ينسب فقيل: إنه مأخوذ من الصفة نسبة إلى أهل الصفة وهم جماعة من فقراء الصحابة كانوا يلازمون


(١) [سورة المؤمنون: الآيات ١ - ٣].
(٢) [سورة الفرقان: الآية ٦٣].

<<  <   >  >>