يا عيسى إنى أخرجت عبادًا لي لا يد لأحد بقتالهم فحول عبادى إلى الطور" وذلك الوحى على لسان جبريل عليه السلام إذ هو السفير بين الله تعالى وأنبيائه لا يعرف ذلك لغيره، وخبر لا وحى بعدى باطل. انتهى.
يُشير العلَّامة ابن حجر إلى ما في صحيح مسلم من حديث النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدجال فقال: "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم"، وفيه: "فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إنى قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم، فأحرز عبادى إلى الطور، وبعث اللَّه يأجوج ومأجوج … " الحديث فإنه مطول. "لا يدان" بكسر النون تثنية يد معناه: لا قدرة ولا طاقة، يقال: ما لي بهذا الأمر يد وما لي به يدان؛ لأن المباشرة والدفع إنما يكون باليد وكأن يديه معدومتان لعجزه عن دفعه (أحرز) ضمهم يقال: أحرزت الشئ إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ.
(أما اعتقاد) أن وحى التشريع وإنزال الأحكام الشرعية قد انقطع بموته عليه الصلاة والسلام فصحيح، وعيسى عليه السلام إنما يحكم عند نزوله بشريعة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.
(ومنها): اعتقاد الناس في ليلة القدر وأن فيها ساعة إجابة تفتح فيها أبواب السماء ولا يراها إلا الموعود بها، وأن من رآها وسأل الله تعالى شيئًا استجاب له مهما طلب، حتى لو عثر لسانه فدعا بما لا يريد كان ما نطق به حتمًا مقضيًّا. والصواب: أنها ليلة عبادة وخشوع وتذكر لنعمة الحق والدين، يتجلى الله تعالى فيها باللطف والإحسان على العاملين المخلصين من عباده، تتنزل الملائكة فيها بالألطاف الرحمات الإلهية لطالبيها والمتعرضين لها، قد جعلها الله سبحانه ليلة سلام وأمان خير وبركة من أولها حتى مطلع الفجر، يتقرب العبد فيها إلى مولاه الغنى الكريم والبر الرحيم بأنواع البر والإحسان إلى الضعفاء والبؤساء من خلقه وصالح الأعمال، وأن الشريعة الغراء تحث المؤمنين على إحيائها بالعبادة وأنواع القرب شكرًا لله تعالى على ما هداهم بهذا القرآن العظيم الذى ابتدأ الله سبحانه إنزاله فيهم في أثنائها، وأن جلالة هذه الليلة وشرفها بجلالة وشرف ما وقع فيها من إنزال هذا القرآن الكريم، وهو هدى للناس ورحمة، وفيه سعادتهم وفلاحهم في العاجل