للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: "فمن أعدى الأول؟ " والمراد: أن الأول لم يجرب بالعدوى، بل بقضاء الله تعالى فكذا الثانى، فهو الذى ابتدأ ذلك في الثانى كما ابتدأه في الأول "كأنها الظباء": أي في النشاط والقوة والسلامة من الداء.

وهذا جواب في غاية البلاغة والرشاقة، أي من أين جاء الجرب للأول الذى أعدى على زعمهم؟ فإن قالوا: من بعير آخر لزم التسلسل، أو من سبب آخر فليبينوه لنا، فإن قالوا: الذى فعله في الأول هو الذى فعله في الثانى ثبت المدَّعَى وهو أن الذى فعل جميع ذلك هو القادر الخالق الذى لا إله غيره ولا مؤثر سواه.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الطيرة شرك. الطيرة شرك. الطيرة شرك". قال ابن مسعود: وما منا إلَّا، ولكن الله يذهبه بالتوكل. رواه أبو داود والترمذى وقال: حسن صحيح، أي وما منا إلَّا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك، ولكن الله يذهب ذلك عن قلب كل مؤمن يتوكل على الله

ولا يثبت على ذلك ولا يعمل له، وإنما كانت شركًا لأنهم كانوا يعتقدون أنها تجلب نفعًا وتدفع ضرًّا إذا عمل بموجبها فكأنهم بذلك أشركوها مع الله تعالى.

والطيرة: التشاؤم كما سبق، قال الأزهرى: وقيل: للشؤم طائر وطير وَطيرَة لأن العرب كان من شأنها عيافة الطير وزجرها والتطير ببارحها ونعيق غربانها وأخذها ذات اليسار إذا أثاروها فسموا الشؤم طائرًا أوطيرًا وطيرة لتشاؤمهم بها. اهـ.

فكانوا يتشاءمون ويتطيرون في الجاهلية، ولا يزال التطير والتشاءم فاشيًا في الجاهلين من جميع الشعوب وهو من الخرافات التى يردها العقل وقد أبطنها دين الفطرة قال الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (١). أخبر تعالى عن آل فرعون أنهم لغباوتهم وقساوة قلوبهم كانوا إذا جاءهم خصب وسعة قالوا: هذا لأجلنا ونحن مستحقوه، وإن يصبهم جدب وبلاء يتشاءمون بموسى عليه السلام وقومه قائلين: ما أصابنا ذلك إلَّا من تحت رءوسهم، فرد الله عليهم بأن ما ينزل بهم بسيب شؤمهم عند الله، وهو أعمالهم المكتوبة عنده، فإنها هى التى


(١) [سورة الأعراف: الآية ١٣١].

<<  <   >  >>