للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ساقت إليهم ما يسوءهم {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أن ما يصيبهم من شؤم أعمالهم.

وقال تعالى حكاية عن قوم صالح عليه السلام: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} (١) دعاهم إلى التوبة والطاعة رجاء أن يستقيم حالهم فردوا عليه بقولهم: تشاءمنا بك وبمن اتبعك من المؤمنين، إذ توالت علينا الشدائد، ووقع بيتا التفرق منذ اخترعتم دينكم {قَالَ طَائِرُكُمْ} السبب الذى جاء منه الشر عند الله، وهو أعمالكم المكتوبة عليكم عنده {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} تختبرون بتعاقب السراء والضراء لينكشف للناس أمركم وتقوم الحجة عليكم.

وقال تعالى حكاية عن أصحاب القرية التى جاءها المرسلون {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ

مَعَكُمْ} (٢) فقد جاءتهم الرسل، وادعوا الرسالة والوحى من الله تعالى فأنكروا عليهم الرسالة والوحى لفرط جهلهم، وزادوا في الجهالة والغباوة بقولهم في الرسل إنا تشاءمنا بكم وتوقعنا الشر من أجلكم، لئن لم تكفوا عن مقالتكم لنعذبنكم عذابًا موجعًا، فقالوا لهم: سبب الشؤم معكم وهو سوء عقيدتكم وقبح أعمالكم.

ثم إن الله تعالى أعلم على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن طيرة العرب باطلة فقال: "لا طيرة ولا هامة" وكان صلوات الله ورسوله عليه يتفاءل ولا يتطير، وكيف يتطير -صلى الله عليه وسلم- أو يبيحه لأمته والطيرة كانت شعار الجبناء من الجاهلية، وكانت تصدهم عن مقاصدهم، فنفى التشاؤم وأبطله ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر، بل التأثير لله تعالى وحده. أما شجعان الجاهلية فكانوا لا يرون التطير شيئًا، ويمدحون من كذب له، قال شاعرهم يمدح رجلًا كان لا يعتقد الطيرة ولا يتشاءم بشيء:

وليس بهياب إذا شد رحله … يقول: عدانى اليوم واق وحاتم

ولكنه يمضى على ذاك مقدما … إذا صد عن تلك الهناة الختارم

عدانى: جاوزنى، الواق: الصرد، الحاتم: الغراب الأسود؛ لأنَّه يحتم بالفراق عندهم، الختارم: الرجل المتطير.


(١) [سورة النمل: الآية ٤٧].
(٢) [سورة يس: الآيتان ١٨، ١٩].

<<  <   >  >>