للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن البدع السيئة في الضيافة الإبطاء بالطعام على الضيف، فإن التعجيل بالميسور من إكرام الضيف، وقد يكون جائعًا فيؤلمه الانتظار، وإذا حضر الأكثر وغاب واحد أو اثنان من الضيفان وتأخروا عن الوقت الموعود فحق الحاضرين في التعجيل أولى من حق أولئك في التأخير، إلا أن يكون المتأخر فقيرًا أو ينكسر قلبه بذلك، وأحد المعنيين في قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} (١) أنهم أ كرموا بتعجيل الطعام إليهم دل عليه قوله تعالى: {فَمَا

لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (٢) أجيد نضجه، وقوله تعالى: {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} (٣). والروغان: الذهاب بسرعة، وقيل: في خفية، قال حاتم الأصم: "العجلة من الشيطان إلا في خمسة فإنها من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إطعام الضيف، وتجهيز الميت، وتزويج البكر، وقضاء الدين، والتوبة من الذنب رواه أبو نعيم في "الحلية".

ومنها التكلف الذى أوقع الناس فيه حب الرياء والسمعة حتى خرجوا في مآدبهم عن الحد الذى يطيقونه، وربما استدانوا لذلك. قال بعض السلف في تفسير التكلف: أن تطعم أخاك ما لا تأكله أنت، بل تقصد عليه زيادة في الجودة والقيمة، وناهيك ما يكون في ولائم الأعراس من الإسراف الزائد، وصنع ألوان الأطعمة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " نهينا عن التكلف " رواه البخارى، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ألا هلك المتنطعون " ثلاث مرات. رواه مسلم، والتنطع: التعمق والاستقصاء، والمراد المتكلفون فوق طاقتهم. وفى الحديث: " لا تكلفوا للضيف فتبغضوه " رواه البيهقي وغيره، وفى الحديث: " يا عائشة لا تتكلفى للضيف فتمليه، ولكن أطعميه ممِّا تأكلين " رواه أبو عبد الله الشيرازى، وروى الطبرانى وأحمد عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: لمن استضافه لولا أنا نهينا عن التكلف لتكلفت لكم.

وكان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: "إنما تقاطع الناس بالتكلف، يدعو أحدهم أخاه فيتكلف فيقطعه عن الرجوع إليه" رواه أبو بكر بن أبى الدنيا، وقال سلمان الفارسى رضي الله عنه: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألا نتكلف للضيف ما ليس عندنا، وأن نقدم إليه ما حضرنا"


(١) [سورة الذاريات: الآية ٢٤].
(٢) [سورة هود: الآية ٦٩].
(٣) [سورة الذاريات: الآية ٢٦].

<<  <   >  >>