وبين الحق والمعلومات الصحيحة حجاب كثيف يحول بينها وبين إدراك الحق ويمنعها من الوصول إلى المعارف النافعة؛ وقد يكون ذلك سببًا في تصديق الإنسان كل وهم، وفي حرمانه من الكمال الذى يجب عليه السعى له والوصول إليه، فصاحب الخرافات مسكين ضائع يقضى عمره في اضطراب عقلى، فيصدق الأكاذيب وينخدع بالأباطيل، وينفر من الحق ولا يطمئن إليه، ويكون لعبة في أيدى الدجالين والماكرين.
ولذا ترى أن أول ركن بنى عليه الدين الحنيف هو صقل العقول بصقال التوحيد حتى لا ترى لغير الله تعالى أثرًا في جلب نفع أو درء ضر أو إعطاء أو منع أو إعزاز أو إذلال، فالتأثير ليس إلا لله جَلَّ وعَلَا.
(هذا) واعلم أن أباطيل العامة في معتقداتهم وأقوالهم وأفعالهم لا يبلغها حصر، ونحن نذكر لك نموذجًا من تلك الأباطيل مع بيان وجه الصواب، ونعنى من أباطيل الاعتقاد ما يكون واضح الخطأ حتى كان اعتقاده من خصائص العوام، بخلاف ما ذكر في بدع الاعتقادات فإنها أمور يخفى فيها وجه الصواب حتى سرت إلى أوهام بعض الخواص.
والأوهام صورة المرئيات أو المسموعات أو المحسوسات يكبر حجمها أو يصغر بقدر اشتغال الفكر واستعداده لقبول الخرافات أو رفضها، فهى إذا صورة مأخوذة عن حقيقة بواسطة منظار عدسته تكبر الأجسام أو تصغرها بعامل الميل إلى تعظيم الأمور أو تحقيرها، ولا تعترى الأوهام إلا ضعفاء العقول، وقلما تعترى غيرهم إلا إذا كان عندهم ضعف في الدماغ أو انحراف في الجهاز العصبى.
والخَرَف بفتحتين: فساد العقل من الكبر وبابه طرب، (وخرافة): اسم رجل من عذرة استهوته الجن فكان يحدث بما رأى فكذبوه وقالوا: (حديث خرافة).
وكان شمس الأئمة السرخسى يقول: إن هذا المفقود كان اسمه خرافة وكان بعد رجوعه من الجن يحكى عنهم أشياء يتعجب منها ويتوقف في صحتها، فكانوا يقولون: هذا حديث خرافة، وصار هذا مثلًا يضرب عند سماع ما لا تعرف صحته، والخرافات كل ما لا صحة له مأخوذة من هذا وقصته مذكورة في حواشى الزيلعى الجزء الثالث صفحة (٣١١).