فمن هذه الخرافات ما تسبق إليه أوهام العامة أنهم يعتقدون أن اللوح المحفوظ من جنس الألواح المعروفة، وهو خطأ، والصواب فيه أنه من عالم الغيب فالإيمان به إيمان بالغيب يجب أن يوقف فيه عند النصوص الثابتة بلا زيادة ولا نقص، وأن كل ما قدره الله تعالى من ابتداء خلق العالم إلى آخره مسطور ومثبت في خلق خلقه الله تعالى يعبر عنه تارة باللوح وتارة بالكتاب المبين، وتارة بإمام مبين كما ورد في القرآن الكريم، فجميع ما جرى في العالم وما سيجرى مكتوب فيه ومنقوش عليه نقشًا لا يشاهد بهذه العين، ولا تَظَنُّنَّ أن ذلك اللوح من خشب أو حديد أو عظم، وأن الكتاب من كاغد أو ورق، بل ينبغى أن تفهم قطعًا أن لوح الله لا يشبه لوح الخلق، وكتاب الله تعالى لا يشبه كتاب الخلق، كما أن ذاته وصفاته لا تشبه ذوات الخلق وصفاتهم.
بل إن كنت تطلب له مثالًا يقربه إلى فهمك، فاعلم أن ثبوت المقادير في اللوح المحفوظ يضاهى ثبوت كلمات القرآن وحروفه في دماغ حافظ القرآن وقلبه، فإنه مسطور فيه حتى كأنه حين يقرأ ينظر إليه، ولو فتشت دماغه جزءًا جزءًا لم تشاهد من ذلك الخط حرفًا، فمن هذا النمط ينبغى أن تفهم كون اللوح منقوشًا بجميع ما قدره الله تعالى وقضاه، فليس اللوح والكتاب والنقش فيهما كما ألفته الأوهام، ومثل هذا يقال في أمر الكرام الكاتبين الموكلين بالعبد يكتبون عليه الحسنة والسيئة في صحفهم، فليست الكتابة كما تتخيل، وليست الصحف كما تتوهم، بل علينا أن نؤمن بذلك وإن لم نعلم ما قلمهم وما مدادهم وما قرطاسهم وكيف كتابتهم وأين محلهم؟
ونقل الفخر الرازى عن حكماء الإسلام تأويلًا في كتابة الأعمال قال: إن الكتابة عبارة عن نقوش مخصوصة وضعت بالاصطلاح لتعريف المعانى المخصوصية، فلو قدرنا كون تلك النقوش دالة على تلك المعانى لأعيانها وذواتها كانت تلك الكتبة
أقوىَ وأكمل؛ إذا ثبت هذا فنقول: إن الإنسان إذا أتى بعمل من الأعمال مرات كثيرة متوالية حصل في نفسه بسبب تكررها ملكة قوية راسخة، فإن كانت تك الملكة ملكة سارة للأعمال النافعة في السعادات الروحانية عظم ابتهاجه بها بعد الموت، وإن