للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القلب، وخبت النفس، وفساد الأخلاق.

(ب) أن اللّه -عزَّ وجلَّ- قد عرض بتحريم الخمر قبل نزول آيات المائدة بما بينه في سورة البقرة والنساء -واللبيب تكفيه الإشارة- فكان من لم يفطن لذلك مقصرًا في اجتهاده، وربما كان ذلك لإيثار الهوى والشهوة -وهذا وجه الشبهة- وخلاصة الجواب عنها: أن من صح إيمانه، وصلح عمله وعمل في كل وقت بالنصوص المنزلة، واستقاء على ذلك حتى ارتقى إلى مقام الإحسان، فلا يحول دون تزكية ذلك لنفسه، وإنارة قلبه، ما كان قد أكل أو شرب مما لم يكن محرمًا عليه بحسب اعتقاده، وإن كان في ذلك من الإثم والضرر ما حرم لأجله، وبعض الفلاسفة الإسلاميين تأول لها غير هذا وأنَّه إنما يشربها للنفع لا للشهوة وعاهد اللّه على ذلك فكأنها عندهم من الأدوية أو غذاء صالح لحفظ الصحة ويحكى هذا العهد عن ابن سينا وهذا أيضًا ضلال مبين.

٤ - أن الكفار قالوا: إنما البيع مثل الربا فإنهم لما استحلوه احتجوا بقياس فاسد، فقالوا: إذا فسخ العشرة التى اشترى بها إلى شهر في خمسة عشر إلى شهرين (١) فهو كما لو باع بخمسة عشر إلى شهرين فرد اللّه عليهم وأكذبهم فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (٢) أي ليس البيع مثل الربا فهذه بدعة محدثة أخذوا بها مستندين إلى رأى فاسد. والحاصل أنهم قاسوا الربا على البيع؛ لأن كلا منهما يفضى إلى الربح فقالوا: حيث حل بيع ما قيمته عشرة حالًا بخمسة عشر مؤجلًا حل بيع عشرة بخمسة عشر مثلًا إلى أجل

وهو قياس فاسد لأنَّه معارض للنص، ولوجود الفارق بينهما فإن من باع ثوبًا يساوى عشرة في الحال بخمسة عشر إلى سنة مثلًا قد جعل الثوب كله مقابلًا للخمسة عشر بخلاف ما إذا أعطى عشرة من الدراهم مثلًا بخمسهّ عشر إلى أجل فقد أخذ الزائد بلا مقابل ولا يمكن جعل الإمهال عوضًا لأنَّه ليس بمال هذا عين الربا؛ لأنَّه فضل مال لا يقابله عوض في معاوضة مال بمال.


(١) أي أن يشترى شيئًا بعشرة مؤجلة لمدة شهر ثم يحول العشرة إلى خمسة عشر والشهر إلى شهرين.
(٢) [سورة البقرة: الآية ٢٧].

<<  <   >  >>