للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنكار الأخبار النبوية مطلقًا اقتصارًا على القرآن أو أخبار الآحاد. وجه كونها كلية تشمل ما لا حصر له من فروع الشريعة أن عامة التكاليف مبنى عليها؛ لأن الأمر إنما يرد على المكلف من كتاب اللّه أو سنة رسوله، فإن كان وارداً من السنة فأكثر نقل السنة من الآحاد، وإن كان واردًا من الكتاب فإنما تبينه السنة فكل ما لم يبين في القرآن فلابد لمنكر العمل بخبر الآحاد أن يستعمل فيه رأيه وهواه وهو الابتداع بعينه، فيكون كل فرع ينبنى على ذلك بدعة لا سنة، وأولى بذلك الابتداع بإنكار العمل بالأخبار النبوية مطلقًا جاءت تواترًا أو آحادًا اكتفاء بالقرآن واقتصارًا على ما استحسنته عقولهم في فهم القرآن حتى أباحوا الخمر بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} (١) زاعمين أنها داخلة تحت قوله: {فِيمَا طَعِمُوا} (١) كما تقدم بسطه في أمثلة البدعة الحقيقية. وفى هؤلاء وأمثالهم قال رسول اللّه صلوات الله وسلامه عليه: "لألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمرى مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: لا أدرى. ما وجدنا في كتاب اللَّه اتبعناه" رواه الترمذى من حديث أبى رافع وقال: حديث حسن.

وفى رواية له: "ألا هل عسى رجل يبلغه عنى الحديث وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب اللَّه فما وجدنا فيه حلالًا حللناه وما وجدنا فيه حرامًا حرمناه، وإن ما حرم رسول اللَّه كما حرم اللَّه" والحديث وارد في مقام الذم، وإثبات أن سنة رسول اللّه صلوات اللّه وسلامه عليه في التحليل والتحريم ككتاب اللّه تعالى. فمن أنكر ذلك فقد بنى أعماله على رأيه لا على كتاب الله تعالى ولا على سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فهو بدعة كلية حقيقية. فمن أنكر ذلك فقد بنى أعماله على رأيه وبقية الأمثلة لا تخفى على بصير، وشبهة المنكر لخبر الآحاد أنه ظنى وقد نهينا عن اتباع الظن لقوله تعالى في ذم الكفار: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ

وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (٢) وهى شبهة فاسدة؛ لأن النهى عن اتباع الظن إنما هو في العقائد التى لابد فيها كا العلم كما هو سياق الآية، وأما الأمور العملية فيكفى فيها الظن ولذا أجمع الفقهاء على الأخذ بدلالة العموم والقياس وخبر الواحد وكلها ظنية.

وبدعة الخوارج في زعمهم أن لا تحكيم مستدلين بقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (٣) بناء على أن


(١) [سورة المائدة: الآية ٩٣].
(٢) [سورة النجم: الآية ٢٨].
(٣) [سورة الأنعام: الآية ٥٧].

<<  <   >  >>