للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللفظ عام لم يلحقه تخصيص وأعرضوا عن قول اللّه تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (١)، وقوله -جل وعلا- في جزاء الصيد على المحرم: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (٢) ولو علموا أن من العموم ما يراد به الخصوص لم يسرعوا إلى الإنكار، ولنظروا هل هذا العام مخصوص أو لا -نعوذ باللّه من الضلال- وهؤلاء هم الذين خرجوا على الإمام على رضي الله عنه وكفروه عند التحكيم، ومنهم من يقول مرتكب الكبيرة كافر، وما أشبه ذلك من البدع التى لا تخص فرعًا من فروع الشريعة دون فرع، بل تجدها تنتظم ما لا ينحصر من الفروع الجزئية. وقد يكون ضرر البدعة جزئيًّا يأتى في بعض الفروع دون بعض، كبدعة التغنى بالقرآن، والتلحين في الأذان، والاعتماد في الصلاة على إحدى الرِجْلين ونذر الصيام قائمًا لا يجلس، ضاحيًا لا يستظل، ساكتًا لا يتكلم، والامتناع عن تناول ما أحل اللّه من غير عذر شرعى كالنوم أو لذيذ الطعام أو النساء وما إلى ذلك من البدع الإضافية فإنها لا تتعدى فيه محلها ولا تنتظم غيرها حتى تكون أصلًا لها.

(الوجه السادس): تنقسم إلى عبادية وعادية، والعبادة ما يقصد منها التقرب إلى اللّه تعالى طمعًا في الثواب، والعادة ما لا يقصد منه التقرب إلى اللّه تعالى أي أنها بحسب أصلها الموضوعة له لم يقصد بها ذلك وإن صح فيها التقرب باعتبار أمر غير لازم لها وهى الأمور الجارية بين الخلق في الاكتساب وسائر المحاولات الدنيوية التى هى طرق لنيل الحظوظ العاجلة مثل العقود على اختلافها والتصاريف المالية على تنوعها، ولا نزاع لهم في إمكان الابتداع في العباديات ووقوعه سواء أكانت

العباديات أعمالًا قلبية وأمورًا اعتقادية أم كانت من أعمال الجورح قولًا أو فعلًا كمذهب القدرية والمرجئة (٣) والخوارج والمعتزلة، وكذلك مذهب


(١) [سورة النساء: الآية ٣٥].
(٢) [سورة المائدة: الآية ٩٥].
(٣) لقبوا به لأنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، فهم يعطلون الرجاء.

<<  <   >  >>