الإباحية (١) وكاختراع العبادات على غير مثال سابق ولا أصل مرجوع إليه.
وإنما اختلفت الأنظار في الابتداع في العاديات، والمختار عند أصحاب الطريقة الثانية في معنى البدعة إمكانه ووقوعه قائلين:(لنا على الجواز) أن الشريعة جاءت وافية ببيان القوانين التى بها صلاح الناس في أمور المعاش والمعاد، فالعادات كالعبادات كلاهما مشروع، وكما أنا مأمورون في العبادات بأن لا نحدث فيها فكذلك العادات، فإذا جاز (أمكن) الابتداع فيما هو عبادة جاز فيما هو عادى من الأمور التى يقصد بها صلاح الدنيا.
ورد عليهم أصحاب الطريقة الأولى، قالوا: لو جاز الابتداع في العاديات لوجب أن يعد كل العادات التى حدثت بعد الصدر الأول من المآكل والمشارب والملابس والمسائل النازلة بدعًا والتالى باطل، أما الملازمة فلأن مناط الابتداع حينئذ على إحداث الطرائق الدينية عبادة كانت أو عادة، هذه المذكورات كذلك، وأما بطلان التالى فلوجهين:
(الأول): أنه لو عُدَّت هذه المذكورات من البدع لكان كل من تلبس بشيء منها مخالفًا لما كان عليه الصدر الأول وهو موجب للذم، وهذا من الشناعة بمكان، فإن العادات من الأمور التى تدور مع الأزمنة الأمكنة، فللناس في كل زمان، وفى كل مكان عادات مختلفة، وهم مع كل هذه العادات -حيث حوفظ فيها على القوانين الشرعية الجارية على مقتضى الكتاب والسنة- على تمام الموافقة للصدر الفاضل.
(الثانى): أن عد هذه بدعًا يؤدى إلى نسبة الحرج والتضييق للشريعة، فإن
في التزام الزى الواحد والحالة الواحدة والعادة الواحدة تعبًا ومشقة قضت به الشريعة، وإنما كان الالتزام كذلك لاختلاف الأخلاق والأزمنة والبقاع والأحوال.
(١) الإباحية: فرقة من الشيعة الباطنية المارقين في الدين وهى فرقة العبيدية الذين ملكوا مصر وأفريقية وهم يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسقط جميع الأعمال عن أهل بيته ومن دان بحبهم وأن المحظورات مباحة له كالزنا والخمر وجميع الفواحش. وعندهم نساء يسمين النوابات يتصدقن بفروجهن على المحتاجين رغبة في الأجر وينكحون ما شاءوا من الأمهات والبنات والأخوات لا حرج عليهم في ذلك. يبيحون التزوج بأكثر من أربع وأن يكون للمرأة ثلاثة أزواج فأكثر في بيت واحد يستولدونها وتنسب الولد لكل واحد منهم. ويزعمون أن الأحكام الشرعية خاصة بالعوام، وأما الخواص منهما فقد ترقوا من تلك المرتبة ولا ريب أن هؤلاء أضر على الدين من أستاذهم إبليس -لعنهم الله أجمعين-.