للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجواب: أن هذا مبنى على ما رأيتم من قصر البدعة على الحادث المذموم، وأرباب الطريقة الثانية يطلقونها على معنى أعم من ذلك كما عرفت، فيجوز أن إلبدعة العادية مما تدخل تحت قانون شرعى عادى فلا يعد التلبس بها مخالفة، ولا يوجب الحكم عليها بالابتداع أن تكون الشريعة قاضية بالتزام ما عداها، بل نقول: يجوز إجماع الأمة على أمر عادى لم يكن في الصدر الأول بناء على التحقيق من أن الإجماع يجرى في الأمور الدنيوية، والناس بإجماعهم على فعل هذه العادة متبعون للشرع حيث حكم بأن أمته لا تجتمع على ضلالة.

ولنا على الوقوع ما سيأتى في التقسيم الثانى من نحو المكوس والمظالم المحدثة وتقديم الجهال على العلماء في الولايات العلمية، وتولية المناصب الشريفة من ليس لها بأهل بطريق الوراثة، وإقامة صور الأئمة وولاة الأمور (١)، واتخاذ المناخل وغسل الأيدى بالصابون ولبس الطيالس وتوسيع الأكمام وأشباه ذلك من الأمور التى لم تكن في الزمن الفاضل والسلف الصالح، فإنها أمور جرت في الناس وكثر العمل بها وشاعت وذاعت فلحقت بالبدع وصارت كالعبادات المخترعة الجارية في الأمة.

ورده أرباب الطريقة الأولى.

قالوا: لا نسلم أن هذه المذكورات مما وقع فيه الابتداع لأنها مخالفات للشرع ومعاصٍ في الجملة وليس كل معصية بدعة، سلمنا وقوع الابتداع فيها لكن لا من حيث كونها عادية، بل من حيث كونها تعبدية، قال في "الاعتصام" ما محصله: ثبت في الأصول الشرعية أنه لابد في كل عادى من شائبة التعبد؛ لأن ما لا يعقل معناه على التفصيل من المأمور به أو المنهى عنه فهو المراد بالتعبدى، وما عقل معناه وعرفت مصلحته أو مفسدته فهو المراد بالعادى، فالطهارات والصلوات والصيام والحج كلها تعبديات (٢) والبيع والنكاح والشراء والطلاق والإجارات والجنايات

كلها عاديات،


(١) المراد بالصور هيئاتهم وأحوالهم في أزيائهم ومجالسهم ومطاعمهم وهى التى تسمى الآن بالمظاهر.
(٢) أي فعلى المكلف الانقياد ولا يخلص التكليف إلا بالامتثال من غير أن يعرف حكمة المشروعية تفصيلًا.

<<  <   >  >>