للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التقسيم شيخه من غير تأمل، فإن الشيخ ابن عبد السلام رحمه الله ظاهر منه أنه سمى المصالح المرسلة بدعًا بناء -واللّه أعلم- على أنها لم تدخل أعيانها تحت النصوص المعينة وإن كانت تلائم قواعد الشرع. فمن هنالك جعل القواعد هى الدالة على استحسانها، فتسميته لها بلفظ البدع من حيث فقدان الدليل المعين على المسألة واستحسانها من حيث دخولها تحت القواعد، و لما بنى على اعتماد تلك القواعد استوت عنده مع الأعمال الداخلة تحت النصوص المعينة. وصار من القائلين بالمصالح المرسلة وسماها بدعًا في اللفظ، كما سمى عمر رضى اللّه عنه الجمع في قيام رمضان في المسجد بدعة كما سيأتى. (أما القرافى) فلا عذر له في نقل تلك الأقسام على غير مراد شيخه ولا على مراد الناس لأنَّه خالف الكل في ذلك التقسيم فصار مخالفًا للإجماع.

ونقول: أما قوله: إن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعى، فقال

قصد به الرد على القرافى وغيره في قولهم. والحق التفصيل وأنها خمسة أقسام، وقد علمت أن البدعة تطلق عندهم على معنى يتناول البدعة الحسنة والقبيحة فلا إشكال في صحة التقسيم، وقوله: بل هو في نفسه متدافع لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعى … إلخ، إن أراد أن هذا من حقيقة كل معانيها فغير مسلم وهو أول المسألة التى فيها النزاع، وإن أراد أن ذلك من حقيقة معناها في الجملة فمسلم ولا يفيد، فإن التقسيم كما علمت إنما هو لبعض معانيها لا جميعها، وقوله: فما ذكره القرافى عن الأصحاب … إلخ، علمت حاله وأن التقسيم صحيح لا غبار عليه، وقوله: ومن العجب حكاية الاتفاق … إلخ، إن كان قد زعم أن مراد القرافى من الأصحاب جميع مجتهدى الأمة أعنى من ينعقد بهما الإجماع ويعد اتفاقهم إجماعًا فمدفوع بأن القرافى أراد من الأصحاب أصحاب المذهب (المالكى) كما هو ظاهر وحينئذ فمجرد اتفاقهما لا يعد إجماعًا حتى تكون مصادمته خرقًا للإجماع كيف وأن اتفاقهم ربما يوجع إلى رأى مجتهد واحد وهو من كانت الأصحاب أصحابه، على أنك قد علمت أن النزاع في المسألة لا يرجع إلى شيء من الأحكام الشرعية وإنما الكلام في أن لفظ البدعة هل يقال شرعًا بمعنى يفصل فيه وينقسم إلى هذه الأقسام الخمسة، فلو سلمنا

<<  <   >  >>