للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تناولها من القواعد والأدلة ألحقت به من إيجاب أو تحريم أو غيرهما، وإن نظر إليها من حيث الجملة بالنظر إلى كونها بدعة مع قطع النظر عما يعرض لها فهى مكروهة، فإن الخير كله في الاتباع والشر كله في الابتداع.

وقد عاب المحقق الشاطبى في "الاعتصام" هذا التقسيم ورد على من قسم البدع إلى خمسة أقسام وبين أن ذلك التقسيم لايدل عليه عقل ولا نقل وهاك المقصود منه لتكون على بصيرة من المقام. قال رحمه الله ما ملخصه: إن العلماء قسموا البدع بأقسام أحكام الشريعة الخمسة ولم يعدوها قسمًا واحدًا مذمومًا فجعلوا منها ما هو واجب ومندوب ومباح ومحرم ومكروه وبسط ذلك القرافى بسطًا شافيًا تبعًا لشيخه عز الدين بن عبد السلام فقال: أعلم أن الأصحاب فيما رأيت متفقون على إنكار البدع والحق التفصيل وأنها خمسة أقسام: (قسم واجب) وهو ما تناولته

قواعد الوجوب وأدلته من الشرع كتدوين القرآن والشرائع إلى آخر ما مر من الأقسام الخمسة.

والجواب: أن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعى، بل هو في نفسه متدافع؛ لأن من حقيقة البدعة ألَّا يدل عليها دليل شرعى لا من نصوص الشرع ولا من قواعده إذ لو كان هناك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة ولكان العمل داخلًا في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها .. فالجمع بين عد تلك الأشياء بدعًا وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين.

(أما) المكروه منها والمحرم فمسلم من جهة كونها بدعًا لا من جهة أخرى إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته لم يثبت ذلك كونه بدعة لا مكان أن يكون معصية كالقتل والسرقة وشرب الخمر فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم ألبتة إلا الكراهة والتحريم حسبما يذكر في آخر فصل أحكام البدعة، والحاصل أن كل بدعة معصية كالصيام قائمًا في الشمس، والخصاء وليس كل معصية بدعة كالقتل والسرقة تناول المسكرات أول إحداثها.

فما ذكره القرافى عن الأصحاب من الاتفاق على إنكار البدع صحيح وما قسمه فيها غير صحيح. ومن العجب حكاية الاتفاق مع المصادمة بالخلاف ومع معرفته بما يلزمه من خرق الإجماع، وكأنه إنما اتبع في هذا

<<  <   >  >>