زمنه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وإنما لم يأمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بجمعه في حياته لعدم المقتضى له ولاحتمال الزيادة في كل سورة ما دام حيًّا فأمر الصديق رضى اللّه عنه بنسخه من مكان إلى مكان وكتابته مجتمعًا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء. وما فعله الصديق واجب لما يترتب عليه من الإحصاء والحفظ من الضياع، ولذا أجمع عليه الصحابة رضى اللّه عنهم أجمعين.
ولما اتسعت الفتوح وتفرق المسلمون في الأمصار فأخذ أهل كل مصر عن رجل من بقية القراء فأخذ أهل دمشق وحمص عن المقداد بن الأسود وأهل الكوفة عن ابن مسعود وأهل البصرة عن أبى موسى الأشعرى وقرأ كثير من أهل الشام بقراءة أبى بن كعب. وكانت وجوه القراءة التى يؤدون بها القرآن مختلفة باختلاف اللغات التى نزل عليها، إلى أن كانت غزوة أرمينية وغزوة أذربيجان، ورأى حذيفة ابن اليمان رضى اللّه عنه كثرة اختلاف المسلمين في وجوه القراءة، ورأى ما كان يبدر على ألسنتهم حين يأتى كل فريق منهم بما لم يُسمع من غيره، إذ يتمارون فيه حتى يكفر بعضهم بعضًا ففزع إلى عثمان رضي الله عنه فأخبره بالذى رأى وكان عثمان قد رفع إليه أن شيئًا من ذلك يكون بين المسلمين الذين يُقرئون الصبية ويأخذونهم بحفظ القرآن، فسدًا لباب الفتنة أمر سيدنا عثمان رضى اللّه عنه أن
ينسخوا الصحف الأولى التى كانت عند أبى بكر رضى اللّه عنه وأن يأخذوا الناس بها ويجمعوهم عليها. فالفرق بين جمع أبى بكر وعثمان رضى اللّه عنهما أن الأول كان للمحافظة على ينبوع الملة من الضياع بموت الحفاظ؛ لأنَّه لم يكن مجموعًا في موضع واحد فجمعه في صحائف مرتبًا لها على ما وقفهم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، والثانى لتوحيد قراءته منعًا للاختلاف فيه ودرءًا للفتنة، فنسخ الصحف التى جمعها أبو بكر في مصحف واحد وكتب من ذلك عدة مصاحف أرسل إلى كل مصر مصحفًا كما عرفت، والكل كان بإجماج الصحابة رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين.
٢ - اتفاق أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على حد شارب الخمر ثمانين، وإنما مستندهم في ذلك الرجوع إلى المصالح المرسلة ولم يكن