فيه حد مقرر زمان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وإنما جرى الزجر فيه مجرى التعزيز. ولما انتهى الأمر إلى أبى بكر رضى اللّه عنه قرره على طريق النظر أربعين، ثم انتهى الأمر إلى عمر رضى الله عنه فتتابع الناس فجمع الصحابة فاستشارهم فقال على رضى اللّه عنه:"من سكر هذى، ومن هذى افترى، فأرى عليه حد المفترى". ووجه إجراء المسألة على الاستدلال المرسل أن الشريعة تقيم الأسباب في بعض المواضع مقام المسببات والمظنة مقام الحكم. فقد جعل الإيلاج في أحكام كثيرة في معنى الإنزال، وحرمت الخلوة بالأجنبية حذرًا من الذريعة إلى الفساد، فرأوا الشرب ذريعة إلى الافتراء الذى تقتضيه كثرة الهذيان فإنه أول سابق إلى السكران. قالوا: فهذا من أوضح الأدلة على إسناد الأحكام إلى المعانى التى لا أصول لها على الخصوص وهو مقطوع من الصحابة رضى اللّه عنهم.
وفى الهداية وشرحها للكمال بن الهمام ما ملخصه: وحد الخمر والسكر ثمانون سوطًا لإجماع الصحابة رضى اللّه عنهم وهو قول مالك وأحمد، وفى رواية عن أحمد وهو قول الشافعى أربعون إلا أن الإمام لو رأى أن يجلده ثمانين جاز على الأصح واستدل المصنف على تعين الثمانين بإجماع الصحابة.
روى البخاري من حديث السائب بن يزيد قال:"كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإمرة أبى بكر وصدرًا من خلافة عمر فنقوم إليه بأيذينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر فجلد أربعين حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين". عتوا: تجبَّرُوا وانهمكوا في الطغيان وبالغوا في الفساد بشرب الخمر. وفسقوا: خرجوا عن الطاعة.
وصح أن خالد بن الولد رضى اللّه عنه كتب إلى عمر رضى اللّه عنه من:"أن الناس قد انهمكوا في الشرب وتحاقروا العقوبة، فاستشار الصحابة رضوان اللّه عليهم واجتمعوا على أن يضربه ثمانين" رواه أبو داود والنسائى، وأخرج مسلم عن أنس بن مالك رضى اللّه عنه "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال ثم جلد أبو بكر أربعين فلما كان عمر ودنا الناس من الريف والقرى قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن نجعله ثمانين كأخف الحدود، قال: فجلد عمر