للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن المنذر هذا يدل على أن المقبرة ليست بموضع للصلاة، وللعلماء في معنى

هذا الحديث قولان: أحدهما: أنه ورد في صلاة النافلة، وهو الظاهر، الثاني:

في الفريضة، يعني بذلك: من لا يقدر على الخروج، وفيه بعد في كتاب ابن

التين؛ فأوّل البخاري هذا مع الصلاة في المقابر وأخذ عليه، وذلك أن جماعة

أولوه على أنه عليه السلام ندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون

في قبورهم، فقال: " لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم"، وهي

القبور، وأمّا جواز الصلاة في المقابر أو المنع فليس في الحديث ما يوجد منه

ذلك، وحديث علي- رضي الله تعالى عنه- أنه هو يقاتل وهو يسير، فجاء

المؤذن، فلما برز منها أمر المؤذن فأقام، فلما فرغ قال:"إنّ حبيبي عليه

السلام نهاني أن أصلى في المقبرة، ونهاني أن أصلي في أرض بابل، فإنها

ملعونة". ذكره أبو داود (١) من حديث الحجاج بن شداد عن أبي صالح

الغفاري سعيد بن عبد الرحمن عنه، وذكره أبو عبد الله/الجعفي في صحيحه

بلفظ: ويذكر عن علي أنه كره الصلاة بخسف بابل، وذكر ابن يونس أبا

صالح هذا؛ فقال: روى عن علي، وما أظنه سمع به، وقال الأشبيلي: هذا

حديث واهي، وزعم ابن القطان: أنّ فيه رجالا لا نعرف حالهم، وقال

البيهقي في المعرفة: إسناده غير قوي، وقال الخطابي: إسناد هذا الحديث فيه

مقال، ولا أعلم أحدا من العلماء حزم الصلاة في أرض بابل، وقد عارضه ما

هو منه وهو قوله عليه الصلاة والسلام:"جعلت لي الأرض مسجدا

وطهورا" (٢) . ويشبهه أن يثبت الحديث أن يكون نهاه أن يتّخذها وطنا ودارا

للإِقامة، فتكون صلاته فيها يوما إذا كانت إقامته بها، ويخرج النهى فيه على


(١) حسن. رواه أبو داود (ح/٤٩٠) .
(٢) صحيح، متفق عليه. رواه البخاري (١/١١٩،٩١) ، ومسلم في (المساجد، ح/٥) ، وأبو
داود (٤٨٩، ٣٦١٣، ٣٦١٤) ، والمجمع (٣٦١٥) ، والترمذي (٣١٧) ، والنسائي (٢/٢٦) ، وابن
ماجة (٥٦٧) ، وأحمد (١/٢٥٠، ٢/٢٤٠، ٢٥٠، ٤١٢، ٤٤٢، ٥٠١، ٥/١٤٥) ، والبيهقي (٢/
٤٣٣، ٤٣٤) ، والطبراني (١١/٦١، ٧٣) ، والإرواء (١/٣١٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>