فشاور الصحابة فأجمع من بقي من الصحابة أنه لا وضوء فيها، وقالوا: لا
ندع كتاب ربنا ولا سنة نبيّنا لقول امرأة لا تدري أصدقت أم كذبت يعْنُون
بُسرة، ومعنى قولهم: كتاب ربنا، بين الأحداث في كتابه وكانت نجسة من
دم حيض ومنى وغائط وشرع الاستنجاء بالماء بقوله: (رجال يحبون أن
يتطهروا) (١) الآية. فكانوا يتبعون الحجارة الماء والاستنجاء بالماء لا يتصور إلا
بمس الفرجين جميعا، فلما ثبت بالنص أنه من التطهير لم يجز أن يجعل حدثا
بخبر غريب تعظم به البلوى، فسقط على ما هو الأصل في خبر الواحد؛ لأنه
ورد بخلاف القياس، وقد ثبت من مذهب أبي هريرة ما يذكر أنه ليس
بحديث، والراوي إذا ذهب إلى خلاف ما روى دل على زيافة الحديث على
ما عرف في موضعه، قال أبو محمد بن حزْم: وقول من قال: تعظم به
البلوى، ولو كان لما جهله/ابن مسعود ولا غيره حماقة قد غاب عن جمهور
الصحابة الغسل من الإيلاج الذي لا إنزال معه، وهو مما تكثر به البلوى، وقد
رأى أبو حنيفة الوضوء من الرعاف، وهو مما تكثر به البلوى، ولم يعلم ذلك
جمهور العلماء، ورأى الوضوء من ملك الفم من القلس ولم يره في أقل من
ذلك، وهذا تعظم به البلوى، ولم نعلم قال ذلك قبله أحدٌ من ولد آدم- عليه
السلام- والله أعلم.
وأما الوضوء من مسّ الإبط، فقد جاء في حديث رواه الزهري عن عبد
الله بن عتبة عن عمر: أنه رأى رجلا يتوضأ من مسّ الإبط. قال البيهقي:
هذا مرسل، وقد أنكره الزهري بعد ما حدث به، ويمكن أن يكون أمره بغسل
اليد تنظفا، وروى أبو الحسن من حديث ابن عرفة: ثنا خلف بن خليفة عن
ليث عن مجاهد عن ابن عمر: " إذا توضأ الرجل ومس إبطه أعاد الوضوء ".
قال: وعن ابن عباس: ليس عليه إعادة، وروى البيهقي أن ابن عمر أدخل يده
في إبطه وهو في الصلاة ثم مضى.
وأما الوضُوء من مسّ الصنم فذكر المدائني في تفسيره من حديث محمد بن
الوليد عن يعلى بن عبيد عن صالح بن حبان عن ابن بُريدْة عن أبيه: " أن
(١) سورة التوبة آية: ١٠٨.