للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنكار بعض العقلاء لطور النّبوّة كإنكار المميّز لطور العقل، وإنكار الأعمى للمبصرات، والأخشم للمشمومات، وذلك عين الجهل، إذ لا مستند له إلّا أنّ هذا طور لم يبلغه عقله إدراكا.

فنقول له: إن لم يدركه عقلك بمباشرة فلا تحل جوازه، كما لا يحيل الأعمى وجود المبصرات، ويجب عليه أن يقول: إنّ الحاسّة الّتي تدرك بها المبصرات وجدت في غيري فأدركها، ولم توجد فيّ فلم أدركها.

فحينئذ الشّكّ في النّبوّة إمّا أن يكون في إمكانها، أو في وجودها في العالم، أو في وقوعها مطلقا، أو في إثباتها لشخص معين.

أمّا دليل إمكانها: فظاهر ممّا تقرّر من أنّ العقل لا يحيل من أن يترقّى الإنسان الكامل إلى طور فوق طور العقل، يفتح الله لقلبه عينا يدرك بنورها ما لم يدركه العقل، كما ترقّى المميّز إلى طور العقل، والطّفل إلى طور التّمييز، وكما أنّ الله سبحانه قادر على أن يخلق في قلوب عباده المعرفة به، وبأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، وجميع تكليفاته الشّرعيّة، ابتداء بغير واسطة، كقوله تعالى:

وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ [سورة البقرة ٢/ ٣١] وقوله تعالى: فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [سورة الكهف ١٨/ ٦٥] . وآدم نبيّ، والعبد وليّ، وكلاهما اشتركا في تعليم العلم اللّدنّيّ بغير واسطة.

وطور النّبوّة/ أيضا فوق طور الولاية، يعلمه الوليّ ويؤمن به، كما يعلم أنّ طور الولاية فوق طور العقل ذوقا ومباشرة، وكذلك العقل لا يمنع أن يوصل الله إلى من ارتضاه من رسله العلم بما سبق

<<  <   >  >>