للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ممّا ستأتي الإشارة إلى بعضه تصريحا وتلويحا، إلى غير ذلك من عظيم الآيات المعلومة بالقطع بين علماء السّير، ونقلة الأخبار، ورواها العدد الكثير في جميع الأعصار، من الصّحابة والتّابعين، فمن بعدهم، ولم تزدد على مرّ الأيّام إلّا ظهورا. ومجموع معناها بالغ مبلغ التّواتر بين البرّ والفاجر، كما يعلم جود حاتم، وشجاعة عليّ بالضّرورة. وإن لم تبلغ كلّ واقعة منها بعينها مبلغ التّواتر، بل وأكثرها كان في المجامع الحفلة، والعساكر الجمّة من الصّحابة رضي الله عنهم، ثمّ رواها عنهم الكافّة، ولم يرو عن أحد منهم مخالفة للرّاوي فيما رواه، والإنكار لما نسبه إليهم من المشاهدة لها وحكاه.

فسكوت السّاكت منهم/ كنطق النّاطق، وكثيرا ما يحصل العلم الضّروريّ بشيء لإنسان دون آخر، كمن يعلم جملة من أخبار الملوك الماضية، والبلدان النّائية، وآخر لا يعرف وجودها، فضلا عن تحقّق أخبارها.

ثمّ إنّ من أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم الباهرة، وآيات نبوّته الظّاهرة، ودلائل صدقه: معجزة القرآن العظيم، المستمرّة على مرّ الدّهور والأزمان، المشاهدة لجميع الإنس والجانّ، وقد انطوى على وجوه من الإعجاز- ستأتي الإشارة إليها في الباب السّادس- لا يحصرها عدّ، ولا يحيط بها حدّ.

فلمّا أظهر صلى الله عليه وسلم هذا الكلام البليغ، الّذي أعجز به البلغاء، واللّدّ «١» الفصحاء، مع ما اشتمل عليه من نبأ القرون السّالفة، والشّرائع الدّاثرة، ممّا كان لا يوجد في القصّة الواحدة، إلّا عند الفذّ من الأحبار والرّهبان، ولا ينالها بالتّعلّم إلّا من قطع


(١) اللّدّ: المجادلين.

<<  <   >  >>