هذا مع ما انطوى عليه من المغيّبات، والإخبار بما كان وما هو آت، ومع ما احتوى عليه من بليغ المواعظ والحكم، وكريم الأخلاق والشّيم، والتّرغيب والتّرهيب، والوعد والوعيد، وإثبات النّبوّات والتّوحيد، وتحدّاهم بأن يأتوا بسورة من مثله، فعجزوا بعد أن أخبرهم أنّهم لن يفعلوا، قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [سورة الإسراء ١٧/ ٨٨] .
فلمّا عجزوا كلّهم عن معارضته، مع كمال بلاغتهم، وشدّة حرصهم، وتوفّر دواعيهم، وتهالكهم على إفحامه، وألقوا بأيديهم مذعنين، وأحجموا عن معارضته صاغرين، دلّ ذلك على/ صدقه قطعا فيما ادّعاه، وأنّ كتابه منزّل من عند الله، هذا مع ما قد تواتر عنه قبل دعوى النّبوّة وبعدها، من ملازمة الصّدق والأمانة، والعفّة والصّيانة، والأحوال الكريمة، والأخلاق العظيمة، والسّيرة الحسنة، والإعراض عن زهرة الدّنيا، والمداومة على الجدّ والتّشمير للآخرى، إلى أن توفّاه الله.
إذا العقل يقطع بامتناع اجتماع هذه الأمور، إلّا في الأنبياء المؤيّدين بتأييد الله تعالى وأمره، ويستحيل أن يجمع الله هذه الكمالات فيمن يفتري على الله الكذب والبهتان، ثمّ يظهر دينه،