الوجهين (طريق النّقل وهو مذهب أبي المعالي) أي ابن أبي محمد الجويني المعروف بإمام الحرمين من اتباع الشافعي وقد وافقه في ذلك الغزالي ولا أدري نصف العلم والعجز عن درك الإدراك إدراك، (وقالت فرقة ثالثة إنّه) ويروى ومالت فرقة ثالثة إلى أنه (كان عاملا بشرع من قبله) أي في الجملة لاستحالة أن يكون عليه الصلاة والسلام مباحيا قبل البعثة، (ثمّ اختلفوا) أي الفرقة الثالثة (هَلْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الشَّرْعُ أَمْ لَا فَوَقَفَ بعضهم عن تعيينه) لعدم ما يدل على تبيينه (وأحجم) بتقديم الحاء على الجيم أي تأخر وبعكسه أي تقدم أو تأخر فهو من الاضداد (وجسر بعضهم) أي اجترأ واقتحم ومنه قول الشاعر:
من راقب الناس مات غما ... وفاز باللذة الجسور
والمعنى أقدم (على التّعيين وصمّم) أي عزم عليه وجزم، (ثمّ اختلفت هذه المعيّنة) بكسر التحتية صفة الفرقة (فيمن كان يتّبع) من أرباب النبوة قبل البعثة (فقيل نوح) وهو بعيد بحسب الزمان وكذا باعتبار معرفة أحكام هذا الشأن مع أن دينه منسوخ لظهور نبوة خليل الرحمن (وقيل إبراهيم) وهو الظاهر المتبادر والأظهر أنه تابع لإسماعيل فإنه كان رسولا بعد الخليل وهو على ملته ولم يعرف تبديل في شريعته (وقيل موسى) وهذا لا يصح إذ ملته نسخت بعيسى (وقيل عيسى) وفيه أن موسى وعيسى إنما كانا مبعوثين إلى بني إسرائيل ولم يكن نبينا منهم (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ الْمَذَاهِبِ فِي هذه المسألة) حكى القاضي المؤلف هذه الأقوال الأربعة وبقي قولان أحدهما آدم وهذا حكى عن ابن برهان بفتح الموحدة وثانيهما أن جميع الشرائع شرع له حكاه بعض شراح المحصول عن المالكية وأظن أن هذا هو الأوجه من الأوجه السابقة واللاحقة وهو المناسب لمقامه عليه الصلاة والسلام من مرتبة الجمع في المرام ولأنه كان مظهرا لاسم الذات المستجمع لجميع الصفات غايته أنه كان قبل البعثة على تلك الحالة الجامعة بطريق الإجمال وبعدها على وجه التفصيل في مراتب الكمال فلا ينافي قوله تعالى مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وهذا هو غاية الإيقان ونهاية الاتقان والله المستعان (والأظهر فيها) أي في المسألة (ما ذهب إليه القاضي أبو بكر) الباقلاني (وأبعدها مذاهب المعيّنين) بكسر الياء المشددة (إِذْ لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَنُقِلَ) إلينا (كما قدّمناه ولم يخف) أي عن أحد (جملة) أي جميعا هنالك (وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي أَنَّ عِيسَى آخِرُ الأنبياء) أي أنبياء بني إسرائيل (فلزمت شريعته من جاء بعدها) وفي نسخة بعده (إذ لم يثبت عموم دعوة عيسى عليه السلام) كما يدل عليه قوله تعالى وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ (بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِنَبِيٍّ دَعْوَةٌ عامّة إلّا لنبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم) فإن دعوته عامة للجن والإنس بل إلى الخلق كافة كما بينته في الصلاة العلية بخلاف دعوة نوح فإنه كان مختصا للإنس دون الجن وسليمان كان مبعوثا إليهما إلا أنه مخصوص ببني إسرائيل والله تعالى اعلم بحقيقة الأقاويل، (ولا حجّة أيضا للآخر) يروى