فصل [ومن معجزاته الباهرة ما جمعه الله تعالى له من المعارف والعلوم]
(ومن معجزاته الباهرة) أي آياته الظاهرة (ما جمعه الله له من المعارف) أي الجزئية (والعلوم) أي الكلية والمدركات الظنية واليقينية أو الاسرار الباطنية والأنوار الظاهرية (وخصّه به) أي ما خصه بِهِ (مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى جَمِيعِ مَصَالِحِ الدُّنْيَا والدّين) أي ما يتم به إصلاح الأمور الدنيوية والأخروية واستشكل بأنه صلى الله تعالى عليه وسلم وجد الأنصار يلقحون النخل فقال لو تركتموه فتركوه فلم يخرج شيئا أو أخرج شيصا فقال أنتم بامر دنياكم وأجيب بأنه إنما كان ظنا منه لا وحيا وقال الشيخ سيدي محمد السنوسي أراد أنه يحملهم على خرق العوائد في ذلك إلى باب التوكل وأما هنالك فلم يمتثلوا فقل أنتم أعرف بدنياكم ولو امتثلوا وتحملوا في سنة وسنتين لكفوا أمر هذه المحنة انتهى وهو في غاية من اللطافة (ومعرفته) بالرفع عطفا على ما والأقرب جره بالعطف على الاطلاع (بأمور شرائعه) أي أحكامه المتعلقة بالعبادات والمعاملات (وقوانين دينه) أي من القواعد الكلية المندرج تحتها الفروع الجزئية، (وسياسة عباده) أي الجامعة بين صلاح معاش الخلق ومعادهم (ومصالح أمّته) أي المتعلقة بأمر زادهم في حق عبادهم وزهادهم (وما) أي ومعرفته بما (كان في الأمم قبله) أي من أحوالهم وما جرى لهم من نجاة وهلاك في مآلهم (وقصص الأنبياء والرّسل) أي من دعاة الخلق إلى دين الحق (والجبا برة) أي من الكفرة والفجرة المتكبرة، (والقرون الماضية) أي الأزمنة الخالية (من لدن آدم) بضم الدال وسكون النون وبسكون الدال وكسر النون ويروى من زمن أي من ابتداء زمن آدم (إلى زمنه) أي زمن الخاتم سيد العالم صلى الله تعالى عليهما وسلم (وحفظ شرائعهم وكتبهم) أي مما قذفه الله في قلبه فروى قلبه عن ربه (ووعي سيرهم) بسكون العين أي وإحاطة أنواع سيرتهم وأصناف طريقتهم مع اتحاد جنس ملتهم (وسرد أنبائهم) أي وذكر أخبارهم متتابعا (وأيّام الله فيهم) أي وقائعه الكائنة فيهم من الهلاك والنجاة (وصفات أعيانهم) أي أفاضلهم كذا قاله التلمساني والأظهر أن المراد بهم جماعة معينة من المؤمنين كذي القرنين والخضر ولقمان ومن الكافرين كفرعون وقارون وهامان (واختلاف آرائهم) جمع رأي بمعنى أهوائهم كعبادة قوم إبراهيم الأوثان وقوم موسى العجل وقول النصارى بالأقانيم الثلاثة من العالم والحياة وروح القدس وتعبيرهم عنها بالأب والأم والابن (والمعرفة بمددهم) بضم الميم جمع مدة أي أيام مكثهم في الدنيا جملة (وأعمارهم) أي على اختلافها قلة وكثرة (وحكم حكمائهم) بكسر الحاء وفتح الكاف أي والمعرفة بما صدر من أنواع الحكمة عن أصناف حكمائهم (ومحاجّة كلّ أمّة) أي مجادلتهم ومغالبتهم (من الكفرة) أي بما يناسبهم في الدعوة كإبطال الأصنام بأن ليس لها منفعة ولا قدرة لها على مضرة وكمحاجة نصارى نجران في دعواهم أن عيسى ابن الله فدعاهم إلى المباهلة فأبوا وبذلوا له الجزية (ومعارضة كلّ فرقة من الكتابين) أي من أهل الكتابين وهما التوراة والإنجيل (بما