وفيه تنبيه على حسن الرضى تحت حكم القضاء مع العلم بأن في غالبيته نصرة الأولياء وفي مغلوبيته كثرة الشهداء كما قال تعالى قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ فكل أمر المؤمن مقرون بخير في الكونين وقد قال تعالى إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ (ويفي بالعهد وينجز) بضم الياء وكسر الجيم (الموعود) أي ويصدق الوعد، (وأشهد أنّه نبيّ) فلله دره وما أتم نظره حيث حملته محاسن جملته على الإقرار بنبوته من غير حاجة إلى إظهار حجته وبيان معجزته (وقال نفطويه) بكسر النون وسكون الفاء وفتح الطاء المهملة والواو فتحتية ساكنة فهاء مكسورة وقد سبق ذكره (في قوله تعالى: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) أي يفيض بالأنوار من حيث ذاته (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ [النور: ٣٥] ) تفيد إنارته باستنارة صفاته (هَذَا مَثَلٌ ضَرْبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم يقول) أي كأنه تعالى يقول (يكاد منظره) أي يقرب ظاهر رؤيته (يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتْلُ قُرْآنًا) من التلاوة وروي وإن لم يقل من القول والفاعل فيهما ضميره صلى الله تعالى عليه وسلم أي وإن لم ينضم لرؤيته تلاوة قراءته الدالة على أنواع معجزته (كما قال ابن رواحة) أي في نعته وهو بفتح الراء انصاري نقيب بدري أحد شعرائه صلى الله تعالى عليه وسلم حضر أحدا والخندق واستشهد بمؤتة بضم الميم أميرا فيها سنة ثمان من الهجرة:
(لو لم تكن فيه آيات مبينة) بكسر التحتية وفتحها أي لو لم يوجد في حقه آيات ظاهرة أو معجزات باهرة (لكان منظره ينبيك بالخبر) أصله ينبئك بالهمزة فسكن ضرورة ثم جواز إبداله ياء لغة هذا وقد نسب الشيخ تقي الدين بن تيمية هذا البيت إلى حسان مع تغير شطره الثاني حيث قال وما أحسن قول حسان:
لو لم تكن فيه آيات مبيّنة ... كانت بديهته تأتيك بالخبر
انتهى ولا يخفى أنه يمكن الجمع بالتوارد في المبنى وإن كان أحدهما أظهر في المعنى (وقد آن) أي حان (أن نأخذ) أي نشرع (في ذكر النّبوّة) وهي حالة الولاية قبل الرسالة (والوحي) أي وبيان الوحي الشامل لحال النبوة (والرّسالة) أي نعت الرسالة وما تتميز به عن مرتبة النبوة (وبعده) أي وبعد فراغ هذا الشأن نشرع (في معجزة القرآن) أي وما يتعلق به من البيان (وما فيه) أي في القرآن (من برهان) أي حجة (ودلالة) بفتح الدال وتكسر أي وبينة من آية وعلامة تبين مبانيها وتعين معانيها ثم في هذا الباب ثلاثون فصلا.
فصل [اعلم أن الله عز وجل قَادِرٌ عَلَى خَلْقِ الْمَعْرِفَةِ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ]
(اعلم أنّ الله تعالى قادر على خلق المعرفة) أي جميع المعارف الجزئية من العلوم الشرعية والعرفية (في قلوب عباده) أي على وفق مراده كما حكي عن سنته سبحانه في بعض