بمثله صلى الله تعالى عليه وسلم مع قوله فإنه أي الشان لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إِلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ فهو بيان تنبيه لعلى وغيره ممن كان يعينه في غسله من أهل البيت أن لا يقصدوا رؤية عورته ليحترسوا ويحترزوا عن كشفها ووقوع نظرهم عليها هذا وعن ابن إسحاق لما اختلفوا هل يغسلونه في ثوبه أو لا نودوا أن اغسلوه في ثوبه انتهى والمراد بثوبه قميصه كما بينته في شرح الشمائل للترمذي، (وفي حديث عكرمة) وهو مولى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأحد فقهاء مكة وتابعيهم ومفسريهم لكنه أباضي خارجي (عن ابن عبّاس رضي الله عنهما) كما رواه الشيخان عنه (أنّه صلى الله تعالى عليه وسلم نام حتّى سمع له) بصيغة المفعول (غطيط) أي صوت يخرج مع نفس النائم (فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ عِكْرِمَةُ لِأَنَّهُ صلى الله تعالى عليه وسلم. كان محفوظا) أي من أن يخامر قلبه نوم وإن خامر عينيه لحديث أنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا وأما نومه عن صلاة الصبح في الوادي وعن صلاة التهجد أحيانا فالأظهر أنه تجديد للوضوء ويجوز أن يكون عن نقض قبله أو بعده وقيل عن مخامرة قلبه مع ندرة ليبين لأمته لكنه مردود لما سبق من عموم الأوقات المفهوم من الحديث الذي تقدم والله أعلم.
(وأمّا وفور عقله) أي زيادته على عقل غيره (وذكاء لبّه) بفتح الذال المعجمة ممدودا أي حدة فهمه وسرعة دركه واللب أخص من العقل فإنه مختص بالعقل السليم والفهم القويم من لب الشيء خالصه وسره منه قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (وقوّة حواسّه) بتشديد السين جمع حاسة من حس بمعنى أحس وهي أسباب علمه من سمع وبصر وذوق وشم ولمس يعم جميع البدن (وفصاحة لسانه) أي حسن تعبيره وبيانه (واعتدال حركاته) أي وسكناته من قيام وقعود ومشي ورقود ونحو ذلك (وحسن شمائله) أي من خلقه وخلقه (فلا مرية) بكسر الميم وتضم كما قرئ بهما في قوله تعالى فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ إلا أن الضم شاذ أي فلا شك (أنّه كان أعقل النّاس وأذكاهم) بالذال المعجمة أي أحدهم طبعا وأطيبهم نفعا، (ومن تأمّل صلى الله تعالى عليه وسلم) أي تفكر (تدبيره) أي نظره باعتبار عاقبته (أمر بواطن الخلق وظواهرهم) أي بتصرفه فيهما إلى حسن مآلهما (وسياسة العامّة والخاصّة) من سست الرعية سياسة أمرتها ونهيتها والظاهر أنها بكسر السين وأبدلت الواو ياء لحركة ما قبلها كالقيام والصيام فإنها من مادة السوس على ما في القاموس وقال الحلبي بفتح السين والظاهر أنه سبق قلم أو زلة قدم ثم المراد بالخاصة العالم والمتعلم وبالعامة من عداهم كما ورد الناس اثنان عالم ومتعلم والباقي همج رعاع اتباع لا يعبأ الله بهم وعن علي كرم الله وجهه وقد سئل عن العامة فقال همج رعاع اتباع كل ناعق لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق وأجمع الناس في تسميتهم على أنهم غوغاء وهم الذين إذا اجتمعوا غلبوا وإذا تفرقوا لم يعرفوا انتهى والغوغاء مأخوذ من غوغاء الجراد لأنه يركب بعضه بعضا