على الأغلب ثم الأنسب أن يقال هذا النعت من خصائص يحيى عليه السلام وأنه من صغره إلى كبره ما هم بمعصية قط ولا خطر بباله سيئة قبل البعثة فضلا عما بعد النبوة ولذا قيل في قوله تعالى وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا أي نبئ في أوله أمره ونشأة عمره ولذا امتنع من اللعب مع أقرانه في حال صغره وقد اعطي عيسى عليه الصلاة والسلام أيضا النبوة من أول الوهلة ما يشير إليه قوله تعالى حكاية عنه إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وهو يوم القيامة لم يذكر له ذنبا كسائر أولي العزم من الرسل إلا أنه يتعلل بأنه عبد من دون الله وهو بلا شبهة ما كان يريده ويرضاه لكنه يحتمل أنه هم ببعض الذنوب وتركه خشية من الله فحصر الحكم في يحيى يستقيم بهذا التأويل القويم والله تعالى اعلم ثم إن الحديث الذي أورده المصنف ضعيف فلا يجوز الاحتجاج به على ما أجاب عنه النووي والمصنف إنما أجاب عنه على تقدير صحته ثم اعلم أن هذا الحديث رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن زهير عن عفان عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال ما من أحد من ولد آدم إلا وقد اخطأ أو همّ بخطيئة ليس يحيى بن زكريا أي إلا يحيى ولعل هذا لدعاء زكريا وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا أي مرضيا وهذا إسناد ضعيف لأجل علي بن زيد بن جدعان وإن كان حافظا لكنه ليس بالثبت وقد أخرج له مسلم والأربعة ويوسف بن مهران انفرد عنه علي بن زيد بن جدعان وقد وثقه أبو زرعة وقال أبو حاتم يكتب حديثه ويذاكر به أخرج له البخاري في تاريخه وظاهر هذا الإسناد أنه حسن لا ضعيف ولا صحيح والله سبحانه وتعالى اعلم.
فصل (فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا نَفَيْتَ عَنْهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ عليهم الذّنوب)
أي الكبائر (والمعاصي) أي الصغائر (بِمَا ذَكَرْتَهُ مِنَ اخْتِلَافِ الْمُفَسِّرِينَ وَتَأْوِيلِ الْمُحَقِّقِينَ) في الفصل السابق وحاصله أن حسنات الأبرار سيئات المقربين (فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [طه: ١٢١] ) أي جهل حكمه (وَمَا تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنَ اعتراف الأنبياء بذنوبهم) في الدنيا أو يوم القيامة (وتوبتهم) أي عن تقصيرهم في طاعتهم (واستغفارهم) أي طلب مغفرتهم عن سهوهم وغفلتهم (وبكائهم على ما سلف منهم) في حالتهم كداود إذ قد ورد أنه بكى حتى بلت دموعه الأرض (وإشفاقهم) أي من عقوبتهم في عاقبتهم (وهل يشفق) بصيغة المجهول أي يخاف (ويتاب ويستغفر من لا شيء) أي من غير شيء هو باعث وفي نسخة من لا يسيء أي لا يذنب على أن الأفعال الثلاثة فيما قبله مبنية للفاعل (فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ دَرَجَةَ الْأَنْبِيَاءِ في الرّفعة والعلوّ) أي علو الرتبة (والمعرفة بالله) واتصافه بنعوت جلاله وعظمته وكبريائه (وسنّته) أي عادته الجارية (في عباده وعظم سلطانه) وكريم برهانه وعلو شأنه وفي نسخة وعظم سلطانه (وقوّة بطشه) أي أخذه بالقهر والغلبة (مِمَّا يَحْمِلُهُمْ عَلَى