فصل [الْوَجْهُ الرَّابِعُ مَا أَنْبَأَ بِهِ مِنْ أَخْبَارِ القرون السالفة]
(الوجه الرّابع) أي من وجوه اعجاز القرآن (ما أنبأ به) أي أخبر به واعلمه (من أخبار القرون السّالفة) أي الماضية (والأمم البائدة) أي الهالكة الفانية (والشّرائع الدّاثرة) أي الدار الدارسة (مِمَّا كَانَ لَا يَعْلَمُ مِنْهُ الْقِصَّةَ الْوَاحِدَةَ إلّا الفذّ) بفتح الفاء وتشديد الذال المعجمة أي الفرد الواحد المنفرد عن أقرانه في علو شأنه (من أخبار أهل الكتاب) بالحاء المهملة أي من علمائهم (الذي قطع عمره) أي صرفه (في تعلّم ذلك) أي الخبر الواحد من ألسنة كبرائهم أو من كتب فضلائهم (فيورده النّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم على وجهه) إذ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (ويأتي به على نصّه) أي كما قرأه عليه جبريل من غير تصرف في لفظه (فيعترف العالم) أي منهم كما في نسخة (بذلك) أي بسبب ما أورده (بصحّته وصدقه) متعلق بيعترف (وأنّ مثله لم ينله بتعليم) أي لم يصل إليه بواسطة تعليم وتعلم من الخلق وحينئذ قد يغترف من بحر تحقيقه ويتشرف بتوفيق تصديقه لعلمه أنه أخبر الخلق بوحي من الحق (وقد علموا) أي جميعهم قبل ذلك (أنّه صلى الله تعالى عليه وسلم أمّيّ) أي في جميع أمره (لا يقرأ ولا يكتب) أي في جميع عمره (ولا اشتغل بمدارسة) أي مع العلماء (ولا مثافنة) بالمثلثة والفاء والنون أي ولا مجالسة مع الشعراء والفضلاء وفي نسخة بالقاف والموحدة ولعلها مصحفة أو يراد بها المزاحمة في المعرفة من ثقوب الذهن وهو وصوله إلى الصواب ثم هذا فيما بينهم (ولم يغب عنهم) أي غيبة يمكنه التعلم فيها من غيرهم (ولا جهل حاله أحد منهم) أي منذ كان صغيرا إلى أن بعث كبيرا لأنه كان من أعيانهم والحاصل أنه كما قال صاحب البردة ذائقا من هذه الزبدة كفاك بالعلم في الأمي معجزة (وقد كان أهل الكتاب) أي من اليهود والنصارى (كثيرا ما) أي في كثير من الأوقات (يسألونه صلى الله تعالى عليه وسلم عن هذا) أي عن أخبار القرون الماضية (فينزل) بصيغة الفاعل أو المفعول مخففا أو مشددا (عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يَتْلُو عَلَيْهِمْ مِنْهُ ذكرا) أي بيانا لأعمالهم وأحوالهم وما جرى لهم في مآلهم (كقصص الأنبياء مع قومهم) أي أقوامهم من أممهم إجمالا تارة ومفصلا أخرى وعموما مرة وخصوصا كرة كما أشار إليه بقوله (وخبر موسى والخضر) بفتح فكسر وروي بكسر فسكون قيل لأنه إذا جلس أو صلى اخضر ما حوله وفي البخاري أنه جلس على فروة فإذا هي تهتز خلفه خضراء والفروة الأرض اليابسة أو الحشيش اليابس وفي اسمه اختلاف وكذا في كونه نبيا مرسلا أو غيره أوليا وبه جزم جماعة وأغرب ما قيل فيه إنه من الملائكة وقيل إنه ابن آدم وقيل ابن فرعون وقال الثعلبي نبي على جميع الأقوال معمر محجوب عن الأبصار واختلف في حياته وقد أنكرها جماعة منهم البخاري وقال ابن الصلاح هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة معهم على ذلك وإنما شذ بإنكارها بعض المحدثين قال الحلبي ونقل النووي عن الأكثرين حياته وقيل إنه لا يموت إلا في آخر الزمان وفي صحيح