أَحْسَنُ ولقوله تعالى وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً؛ (وقال مجاهد) كما رواه ابن أبي حاتم وأحمد في الزهد عنه (كان طعام يحيى العشب) أي زهدا وقناعة ورفضا للنعمة (وكان) أي مع ذلك (يبكي من خشية الله عز وجل) أي مخافته مع أنه قط ما همّ بمعصية (حتّى اتّخذ الدّمع مجرى في خدّه) أي موضع جري كالنهر في وجهه من أثر دمعه لشدة معرفته بربه لقوله سبحانه وتعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ (وَكَانَ يَأْكُلُ مَعَ الْوَحْشِ لِئَلَّا يُخَالِطَ النَّاسَ) لأن الاستيناس بالناس من علامة الإفلاس (وحكى الطّبريّ) وهو الإمام محمد بن جرير (عن وهب) أي ابن منبه (أنّ موسى عليه السّلام كان يستظلّ بعريش) هو بيت من عيدان تنصب ويظلل عليها قال التلمساني هو بسقوط لا في أصل القاضي وبثبوته في رواية العراقي أي لا يستظل انتهى ولا يخفى بعده وعدم مناسبته لما بعده من قوله (يأكل في نقرة) بضم نون وسكون قاف أي حفرة ومنه نقرة القفاء (من حجر) أي بدلا من طرف خشب أو خزف، (ويكرع) بفتح الراء (فيها) أي يأخذ الماء بفيه من غير كف ولا إناء فيشربه منها (إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْرَبَ كَمَا تَكْرَعُ الدَّابَّةُ) أي حين لم تلق وعاء الماء (تواضعا لله) أي لإكرامه (بما أكرمه الله من كلامه) وفيه إيماء إلى أن زهده هذا كان مستمرا إلى كماله وآخر حاله (وأخبارهم) أي آثار الأنبياء (في هذا كلّه) أي في هذا المعنى جميعه (مسطورة) أي مكتوبة ومضبوطة ومحفوظة (وصفاتهم في الكمال) أي في كمال ذواتهم (وجميل الأخلاق وحسن الصّورة) ووقع في أصل التلمساني الصور جمع الصورة وهو الأنسب لجمع ما قبله من الأخلاق وما بعده من قوله، (والشّمائل معروفة مشهورة) أي مذكورة في محلها وقد سئل محمد بن سالم بماذا يعرف الأولياء في الخلق فقال بلطف لسانهم وحسن إخلاقهم وبشاشة وجوههم وسخاء أنفسهم وقلة اعتراضهم وقبول عذر من اعتذر إليهم وتمام الشفقة على إخوانهم (فلا نطوّل بها) أي بذكر جميعها (ولا تلتفت) أيها المخاطب (إِلَى مَا تَجِدُهُ فِي كُتُبِ بَعْضِ جَهَلَةِ المؤرّخين) بالهمز والواو أي المدعين علم تواريخ الأنبياء وغيرهم (والمفسّرين) أي التابعين لهم فيما نقلوه من أخبارهم (ممّا يخالف هذا) أي الذي ذكرناه عنهم في سيرهم الثابتة عن علماء السلف وخيارهم.
فصل [قد آتيناك أكرمك الله سبحانه من ذكر الأخلاق الحميدة]
(قد أتيناك) بالمد أي أعطيناك وأعلمناك وفي نسخة صحيحة اتيناك بالقصر أي جئناك والأول أولى لقوله بعد الجملة المعترضة الدعائية وهي قوله (أكرمك الله من ذكر الأخلاق الحميدة) اللهم إلا أن يدعي أن من بمعنى الباء ثم الأخلاق الحميدة هي الشمائل السعيدة، (والفضائل المجيدة) أي الكريمة العظيمة، (وخصال الكمال العديدة) جمع خصلة بمعنى الخلة بالفتح أي المعدودة المعتدة الدالة على كمال ذاته وجمال صفاته صلى الله تعالى عليه وسلم وشرف وكرم (وأريناك) أي أظهرنا لك (صحّتها) أي صحة روايتها ونسبه ثبوتها