(فِي إِبْطَالِ حُجَجِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَوْمٌ) ويروى أنها رؤيا نوم ثم الحجج بضم حاء وفتح جيم وجمع حجة وهو بمعنى دليل وبينة وأنث ضمير أنها مع أنه راجع إلى الإسراء باعتبار القول بأنه كان رؤيا منام (احتجّوا) بتشديد الجيم أي استدلوا (بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ [الإسراء: ٦٠] فسمّاها رؤيا) بالتنوين يعني والرؤيا مختصة بالنوم كما أن الرؤية باليقظة (قلنا قوله سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء: ١] يردّه) أي يدفع الاحتجاج به (لأنّه لا يقال في النّوم أسرى) لأن الإسراء هو السير في الليل وهو لا يكون حقيقة إلا في اليقظة واعتبار الحقيقة أولى من المجاز ما لم يصرف عنها صارف نعم الرؤيا أيضا في النوم حقيقة وفي اليقظة مجاز لكن لنا أجوبة صارفة لها عن المعنى الحقيقي إلى القصد المجازي كما بينه المصنف بقوله، (وَقَوْلُهُ فِتْنَةً لِلنَّاسِ يُؤَيِّدُ أَنَّهَا رُؤْيَا عَيْنٍ وإسراء بشخص) أي بجسده (إذ ليس في الحلم) بضمتين وتسكن اللام بمعنى الاحتلام ورؤية المنام (فتنة) أي امتحان وخبرة (وَلَا يُكَذِّبُ بِهِ أَحَدٌ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَرَى مِثْلَ ذَلِكَ فِي مَنَامِهِ مِنَ الْكَوْنِ) أي حدوث شيء لم يكن والألف واللام بدل من المضاف إليه أي من كونه (في ساعة واحدة في أقطار متباينة) أي في أطراف مختلفة وجوانب مفترقة ونواحي متباعدة؛ (عَلَى أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الآية) أي في تفسيرها وفي المراد بمورد الرؤيا وتعبيرها (فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَضِيَّةِ الحديبية) وهي بتخفيف التحتية قبل هاء التأنيث مصغرا ذكره الشافعي وأهل اللغة وبعض المحدثين وكثير من المحدثين على تشديدها وهي قرية صغيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة على نحو مرحلة من مكة قريبة من حدة في طريق جدة وتسمى الآن تلك البئر بئر شميس والأصح أن الشجرة التي وقع تحتها بيعة الرضوان غير معروفة الآن وهي كانت عند آخر الحل وأول الحرم على ما قيل وقال مالك الحديبية من الحرم وقال ابن القصار بعضها من الحرم كذا قال الواقدي وهو الصحيح عندنا هذا والقضية بالضاد المعجمة واحدة القضايا قال الأنطاكي ومما يؤيد أن بعضها من الحرم ما روي أن مضارب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلّم يعني معسكره وموضع خيامه عام الحديبية كانت في الحل ومصلاه في الحرم والله تعالى اعلم وفي نسخة في قصة الحديبية بكسر قاف وتشديد صاد مهملة وهي أنه صلى الله تعالى عليه وسلّم رأى في المنام أنه دخل المسجد الحرام فصده المشركون في ذلك العام (وما وقع) أي ونزلت فيما وقع (في نفوس النّاس) أي جماعة منهم (من ذلك) أي من جهة صدهم وعدم دخولهم حتى امتنع بعضهم من تحللهم فقيل إنه لم يقل في هذا العام فدخل من قابل المسجد الحرام واعترض بأن الآية مكية وأجيب بأنه رآها بمكة وأخبر بها يومئذ (وقيل غير هذا) أي غير ما تقدم فقيل رآه ايوم بدر لقوله تعالى إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا تثبيتا لأصحابك وتشجيعا لهم على عدهم ولقوله حين ورد ماء بدر كأني أنظر إلى مصارع القوم هذا مصرع